September 1, 2007

السينما ترفيه وتمويه

في عشرينيات القرن الماضي كان اختراع السينما ثم بعدها بقليل من السنوات أتى اختراع فن صناعة أفلام السينما بتوسع. مرت في بداياتها بمراحل عديدة من صنع الصورة وتحريكها ثم طرق عرضها وصولاً إلى ثورة صناعة الصوت المصاحب للصورة ، وعند اكتمال هذه الصناعة وبداية تطوير طرق التصوير والعرض تكون انتهت المرحلة الأولى. تأتي المرحلة التالية في فن صناعة الأفلام ، وهي صناعة لا تقل أهمية عن تصنيع البترول ولا خطورة عن صناعة وترويج المواد والأدوية الكيميائية .. فكل صناعة هي في حد ذاتها كيان يؤثر في المكان الذي تنتج له بشكل أو بآخر.


الفيلم هو عبارة عن قصة مكتوبة لكن محاكة بطريقة مغايرة للقصة المكتوبة إذ يدخل هنا عامل المشاهدة الفعلية مما ينقل القارئ من خيال النظر إلى رؤيا النظر وهنا استدعى الأمر اختلاف طريقة كتابة ذات القصة بين الكتاب والشاشة. تصور القصة المصاغة سينمائياً نظرياً من خلال السيناريو ، وهو عبارة عن خطوات تحويل فصول وتفاصيل القصة إلى مشاهد متتالية ، كل مشهد له نصيب من التفصيل والشرح حول ما يقال وكيفية أداء الشخصيات ، ويصاحب ذلك كل سبل إقناع العين المتابعة بتفاصيل خلفيات المشهد أو اللقطة من ملابس ومكياج وديكور ومعدات ولكل واحدة من هؤلاء أصبح هناك صناعة خاصة بها تدعم الفيلم ، ففي عالم السينما لا يوجد هناك شخص يعمل بمفرده أو بأمرته ، الكل يقدم جزء من العمل حتى يصل الجميع إلى عمل واحد مكتمل الدقة في مضمونه ومفاهيمه. 


نأتي هنا إلى خطوة ما بعد السنياريو وموقع التصوير إلى فن أو صناعة مختلفة لا تتجزء عن هذا الكل الذي شرحناه ، فن تصوير وتسجيل كل لقطة بمفردها ، وقد يأخذ هذا وقتاً ومجهوداً لا يستهان بهما. نصل في النهاية إلى مونتاج وإنهاء العمل والذي له نصيب كبير من العمل والجهد أيضاً.


فكرة السينما كانت إضافة مجنونة على العمل المسرحي ، فالعمل المسرحي كان أساس كل هذا التنوع من الفنون التي نمارسها الآن إنما اختلفت طريقة المشاهدة. ومع مرور الوقت أصبحت الأفلام محطة أساسية في حياة الناس مما دعا صنَّاعها إلى التعمق أكثر في تطويرها ، وقد أتى في طيات هذا التطوير دراسات شاملة في كل المجالات الحياتية بين العلم والسياسة والدين والنفس البشرية ، وازداد ذلك عمقاً إلى أن أصبحت هنالك مدارس في صناعة السينما ، فكل قصة تمت لمجال من مجالات الحياة بصلة كان لها طريقتها الخاصة في الصياغة وطريقة التمثيل والتصوير ، وأصبح لكل بلد مدرسته الخاصة بشكل عام في تقديم صناعته السينمائية الخاصة به فنياً ومضموناً ، فالمدرسة أو الطريقة الامريكية تختلف عن الفرنسية وبدورها عن الالمانية واليابانية ، حتى أن الناقد أو المتخصص يمكنه أن يعرف من لقطة واحدة جنسية هذا الفيلم أو ذاك بغض النظر عن شهرة ممثليه. 


بعد هذا العرض السريع نصل إلى حبكة مقالنا لنقول أن السينما انتقلت ومنذ فترة ليست بالبسيطة من دور الترفيه المحض لتلعب دوراً خطيراً في صياغة ثقافة وأفكار الشعوب ، ومن هنا أصبحت هذه الصناعة سلاحاً لمن يملك إدارتها إدارة دقيقة مدروسة ، فإن خيراً فخير وإن شراً فشر.


اليوم هي ليست ترفيهاً ، بل هي موجهة لتسخير أكبر قدر ممكن من الناس لأهداف وخطط الفائمين على هذه الصناعة ، وبالطبع من خلفهم رؤوس سياسية تنسج الخطوط العريضة. وبالفعل فإن هذا الخط لاقى نجاحاً منقطع النظير بين الصناعات الانسانية على مر الحضارات والعصور ، فهي صناعة لا تنضب بل يزيد تطورها وتغلغلها في حياة كل واحد منا كبشر. 


فمن خلال الافلام نستطيع تعميم فكرة وترسيخها في العقول حتى تصبح معتقداً ، مثلاُ تعميق مشاعرنا لحب كرة القدم إلى درجة أنها اصبحت تعصباً في كثير من دول العالم ، أو ، تنفير الناس من أفكار معينة ، مثلاُ ترويج تحرير المرأة المُبتّذل في كثير بل في كل دول العالم حتى أصبح هناك تغيراً جذرياً في الخريطة الاسرية في أنحاء العالم ، حتى في أمريكا وفرنسا انقلب الحال مع الوقت  و اصبح واضحاً جداً التغيير الذي طرأ على مظهرهن لو كنا سنقارن بين لبسهن في الخمسينات والستينات وبين الآن مثلاً. ولو نظرنا عن قرب لوجدنا أن لكل حقبة من العقود سمة خاصة اجتماعياً ترسخ وتعمم بكل أخطائها وحسناتها من خلال الأفلام ، مثلاً حقبة السبعينيات في أمريكا هناك الهيبيز والخنافس ، وفي مصر انتشار تجارة وتعاطي المخدرات ، في الستينيات الكلاسيكيات في كل شئ ، في الثمانينيات انتشار الروك اند رول وحياة الشلل. 


وفي كل حقبة تتنوع مواضيع الافلام دعماً أو تنفيراً من مضامين كانت السياسة تتحدث عنها مسبقاً .. فمثلاُ في الافلام الامريكية هناك قصص وسيناريوهات تظهر النظام العراقي مسالماً ، لكن في التسعينيات وحتى اليوم تظهر العراق همجية عدوانية. والناس .. لا يهمها تقييم كل عمل فقط تصلهم البرمجة المطلوب إيصالها ، ومن خلال التكنولوجيا والحبكة الدرامية العاليتين يكفينا كمشاهدين أن نكون قد نومنا إيحائياً ، دون علم منا ، ومن هنا تقام فكرة وتلقى لتوضع مكانها الفكرة التي يريدها صناع السينما وطبعاً ومن خلفهم. 


نأتي لنركز قليلاً حول المشاهدين .. وحول العالم .. لأننا لسنا الوحيدين كعرب أو مسلمين المتسهدفين هنا .. بل العالم كله ، ففي كل مكان هناك غرض ما يجب خدمته والعمل لتحقيقه ، ونحن في بقعة من الكرة الأرضية نشكل هدفاً فقط ولسنا كل الأهداف. المشاهدين .. جماهير غفيرة من خلفيات ثقافية وعرقية ودينية مختلفة ، تجلس بنفس الطريقة أمام نفس الشاشة لتشاهد نفس   الفيلم ولتتلقى نفس التنويم اللاإرادي ( الإيحائي ) ، هذه حقيقة وليست مجاز قلم ، ومع مرور الوقت ومع تكرار المشاهدة تترسخ الفكرة المطلوبة ومن ثم يقوم المشاهد بتفعيلها في نفسه وحياته دون أن يريد أو يشعر.


هناك نوع مختلف من المشاهدين يجلسون سوياً في مقعد مشترك ألا وهو مقعد المتفرج الواعي ، يشاهد ليدرس ويقارن ويتعلم ،  وهنا هو أبعد ما يكون عن سلاحهم النفسي لتغيير العقل والمعتقد ، وهذا هو ما يرجى تعميمه على جميع الناس.


 لا تغلقوا حواسكم عن متغيرات العالم ، بل كن على وعي ثم شاهد ما يحلو لك لتعرف كيف تفكر العقول الاخرى في النصف الآخر من الكرة الآرضية. اليوم نحن نشاهد عقولاً مفكرة ومعتقدات مستحدثة وأفكاراً جديدة من خلال الافلام التي نشاهدها ، القصة ليست ترفيهاً بل هي حرباً مموهة. لدي بعض الأسماء التي استطيع أن أوضح بها بعض ما ذكرت ، كيف هي المدرسة تختلف عن مثيلاتها ، وكيف هي الفكرة في عمقها تغرس بداخلنا فقط بالمشاهدة.المدارس


 : Zero suspect Spanglish Da vinci code Final destination وطبعا هي كلها في أمريكا ، أما عن الفكرة أي المضمون هناك : Matrix Equilibrium Dark city War of the worlds Da vinci code ... لكل منها طريقة خاصة جداً في التصوير والفلاتر وأداء الممثلين ... كلها تصب في خدمة الهدف المراد إيصاله إلى المشاهدين.


يبقى هنا أن نقول ختاماً .. في هذا العالم المنفتح على بعضه ، وطالما أن بيوتنا منفتحة على نافذة العالم بهذا الشكل غير المسبوق، وجب علينا ان نضع نفسنا في صف آخر من المشاهدين ، ضمن من يشاهد ليتعلم ويبحث كي يعرف ما الذي يدور في عقول الآخرين ، ومن هنا نستطيع أن نضرب عصفورين بحجر واحد ، التعلم بالترفيه ، فنحن في كل الاحوال نستمتع بهذا الغدق الراقي من التنوع السينمائي

No comments: