November 25, 2010

هزيمة بلا قاع

مع قراءة عنوان هذا المقال ومعرفة كاتبه ، كان علي خلق أجواء خاصة للتمعن فيه .. وبصحبتي فنجان قهوتي


***

هزيمة بلا قاع
د. خالص الجُلَبي


في معركة حنين أمسك أبو سفيان بطنه ضحكاً على المسلمين، وهم يولون الأدبار، وقال مع قهقهة: لن يردهم سوى البحر…

ولغة أبو سفيان تلاقي نفس المصير اليوم؛ فهي تعاني من هزيمة بدون قاع. وأقرب الأشياء الثلاثة للإنسان هي: اسمه الذي به ينادى، ولغته التي بها ينطق، ودينه الذي به يعتقد، فهي أسوار الحماية الثلاثة..

والذي دفعني للكتابة أن المدير الطبي الهندي كان يتفقد ملفات المرضى عندي، فانزعج حين قرأ اللسان العربي في بلد عربي أمين، فأرسل لي يحذرني من ارتكاب مثل هذه الخطيئة الشنيعة مرة أخرى.

وقلت في نفسي: تصور أن هذا الهندي الذي يرطن باللغة الإنجليزية المكسورة، كان في بلد آخر! تصور أنه في ألمانيا ويقول لطبيب ألماني أن يتجنب الكتابة باللغة الألمانية؟!

في ألمانيا لم يكن يسمح لنا بلمس المريض (الألماني) قبل التمكن من اللغة الألمانية نطقاً وكتابة، وبالنسبة لي فقد أرسلوني إلى معهد (جوته) لتعلم اللغة الألمانية، على حسابي وليس حسابهم، فمن أراد قبض راتبه عليه أن ينطق لغتهم، أما عندنا فيُسخر من لغتنا وتنهب أموالنا! وهي ضريبة التخلف على كل حال، لأمة تعاني من الهزيمة حتى قاع اللاوعي!

قصصنا مع الهنود والنيجيريين والطليان والفيليبينيين وأهل مدغشقر ونيبال… في أرض العروبة أكثر من أن تحصى. وأذكر العديد من الحالات، ونحن نفك الاشتباك بين طبيب نيجيري ومريض سعودي، حتى لا يصلح فتقاً في المكان الغلط، أو يستأصل مرارة بدون مبرر، أو يفتح على مكان الزائدة، والزائدة قد استؤصلت! وهي كوميديا تعجز عنها مسارح أثينا أيام سوفوكليس وصولون…

وحين تبدأ الأمة تتكلم بغير لغتها، فهي تفقد ذاكرتها، كما قال توينبي عن كمال أتاتورك. قال توينبي: إن ذلك الرجل لم يفعل كما فعل النازيون مع الكتب في الساحات العامة، كما هو في ليلة برلين المشهورة مع اليهود عام 1938، أو كما فعل ملك إسبانيا فيليب مع الثقافة العربية؛ بل قام بما هو أدهى وأمر فقتل الحرف العربي بدون لمسه، حين قلب الحرف التركي من العربي إلى اللاتيني، وترك باقي المهمة للغبار والرفوف كي تلتهم كل التراث العثماني المخطوط بالحرف العربي في آلاف المجلدات خلال خمسة قرون، وبذلك أصبحت تركيا بين عشية وضحاها بدون ذاكرة! ولولا الروح الصوفية الذكية والتوقد الإيماني، لدخلت تركيا العلمانية وودعت الإسلام إلى غير رجعة، لكنها روح الإيمان التي تتقد من روح الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم…

وفي قناعتي أنه سوف يأتي اليوم الذي يبدأ الأتراك في مراجعة تاريخهم مع كارثة الانقطاع…

ولنتصور أنفسنا اليوم ونحن نرطن باللغة الإنجليزية المكسرة، فتختنق الأفكار باختناق الكلمات، ونبقى بدون ذاكرة.

إن اللغة هي ذاكرة الأمة، وهي اللاوعي العميق، وهي الذات… وصاحبنا الهندي لا يلام، لكن من يلام هو من استقدمه دون أن يشرط له استلام راتبه المغري بالنطق باللسان العربي.

إنه حتى اللغة العبرية تم أحياؤها، في الوقت الذي تقتل فيه اللغة العربية، في خيانة ما بعدها خيانة.

وابن خلدون تعرض لهذه الأزمة منذ أيامه، والفتح العربي يتقلص ويتراجع أمام حروب الاسترداد الإسبانية، فذكر أن المغلوب مولع بتقليد غالبه لاعتقاده بالكمال فيه، وهو ما يفعله الأطفال مع آبائهم، والعرب مع أميركا.

واللغة هي لسان الأمة في التاريخ فإن هانت، هانت لغتها، وإن سمت وارتفعت انتشرت لغتها فقرأها قوم آخرون، حتى الجن الذين جاؤوا يوماً ينصتون للقرآن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به..

ولولا القرآن لكان مصير العرب مثل مصير أهل الشيشان والدومينيكان، لكن القرآن منح الخلود للغة العربية، ولسوف تستعمل رغم تفاهة مناوئيها واضمحلال العقل العربي في بركة الضفادع… ويقول في هذا محمد إقبال إن من أراد أن يكتب وثيقة ويدفنها في الأرض فيقرأها الناس بعد ألف جيل، فليكتب باللغة العربية، فهي لغة الخلود من القرآن الخالد

November 20, 2010

Palestine on the map?



A shortcut for a whole history




November 17, 2010

فودا فون .. خطأ مدروس واعتذار غير مقصود







كثير منا شاهد اعلان فودا فون الأخير، الذي يقدم مقارنة بين سرعة خط انترنت فودافون وغيره من الشركات، وقد اختير السيناريو لتوصيل هذه الفكرة بمقارنة محاولة عباس بن فرناس للطيران وطيارة الأخوان رايت التي طارت لأول مرة في ذاك الوقت.



حقيقة الشئ الذي استفزني أن أكتب هو خلفية هذا الإعلان والخدعة التي قدمتها شركة فودا فون لتهدئة الشارع المصري كردة فعل، هذا الاعتذار الأنيق المدروس الذي قدمته الشركة للعملاء الذين تحترمهم، على افتراض ذلك بالطبع.



"ضربني في زفة وصالحني في عطفة" .. نعم هو هكذا، فالإعلان قد عرض في القنوات لكن الاعتذار كان مكتوباً ولم يعرض في التلفزيون، وما أراه من تقديم إعلان كهذا أنه فكرة ذكية خانت أصحابها وحولتهم إلى كتلة من الأغبياء.



فالإعلان قدم أمثولة يرتبط بها المسلمين والعرب عاطفياً بالكثير من الفخر، وفي وقت يعيش جميع المسلمين مشاعرعاطفية عالية، عيد الأضحى .. ففكرة الكوميديا التي طرحها الإعلان لن يراها الناس في مشاعر خاصة عالية عند هذا الكم من الناس سوى سخرية وقحة قميئة.



تقول فودا فون في اعتذارها على صفحتها الخاصة في الفيس بوك ما نصه:



"كواحدة من كبرى الشركات حول العالم، تحترم فودافون تراث كافة الدول التي تعمل بها. ينعكس ذلك في احترام كافة الشخصيات التاريخية التي أثرت العلم و الثقافة و الفنون حول العالم.فودافون مصر هي أيضا جزء من هذا اﻻلتزام وتعمل جاهدة لنيل ثقة كافة عملاءها الكرام.

فيما يخص احد الإعلانات الحديثة للشركة و التي ظن بعض عملاءنا أن بها استهزاء بأحد الشخصيات التاريخية، فإننا نؤكد أنه لم تتواجد لدينا نية لذلك على اﻻطلاق. ما سعينا إليه هو استخدام اﻻطار الكوميدي الذي يلقى استحسان لدى المصريين لرسم اﻻبتسامة على الوجوه.
على الرغم من ذلك، فقد قررت الشركة. ازالة الإعلان من المواقع الأكترونية مثل يوتيوب و صفحة الفيس بوك الخاصة بالشركة. كما تقرر وقف إذاعة اﻻعلان على المحطات التليفزيونية. ومن المتوقع أن يتوقف إذاعة الإعلان تماما على كافة المحطات خلال أيام نظرا لإجازات عيد الأضحى المبارك والتي تجعل من الصعوبة إيقاف اﻻعلان فورا. ولكن يتم إيقاف اﻻذاعة تدريجيا علي قناة تلو الأخرى لحين إعادته بما يضمن عدم اﻻساءة إلى احد.
نتمني أن تحوز استجابتنا على رضاء كافة عملاءنا و نتمنى أن تستمر ثقتهم الغالية و استمتاعهم بكافة ما نقدمه من خدمات



شكرا

فودافون – مصر"



**** ***** *****




ولنقم بتحليل هذا النص ..



المعايير التي تعلمها كل الشركات الصغرى والكبرى في العالم فيما يخص تقديم نصاً أو مادة إعلانية للجمهور هو أن معايير الاحترام لا بد وأن تشمل فيما تشمل الدين، الثقافة، التقاليد، الأعلام والشخصيات المتصلة بهذا المجتمع بأي شكل، والتراث المعمول به.



والتلاعب موجود في تحوير كل ذلك لصالح الفائدة التي ترجوها هذه الشركات، وهذا دائماً أولاً وأخيراً، ثم تأتي للعوائد المعنوية والشكل العام والانطباع الذي يترك عند الناس وهم المستهدفين، وهمُ لا تصب إليهم الفائدة الأجم بطبيعة الحال. ونحن لسنا بصدد تحليل علاقة الشركة بالعملاء هنا.



لو دققنا في نص الاعتذار .. ولا أعلم نسبة من وصلهم هذا الاعتذار مقابل نسبة من شاهدوا واستاؤوا من الإعلان في الأصل .. سنجد ما يلي




*

"..... فيما يخص إحدى الإعلانات الحديثة للشركة و التي ظن بعض عملاءنا أن بها استهزاء بأحد الشخصيات التاريخية، فإننا نؤكد أنه لم تتواجد لدينا نية لذلك على اﻻطلاق. ما سعينا إليه هو استخدام اﻻطار الكوميدي الذي يلقى استحسان لدى المصريين لرسم اﻻبتسامة على الوجوه...."

تقدم الشركة هنا تأكيداً على عدم وجود "نية" الاستهزاء على الإطلاق



وبناء على كونها "واحدة من كبرى الشركات حول العالم" فإن عامل النية يظهر جلياً في كل مادة إعلانية وترويجية تقدمها، ولا ينفع مطلقاً أن تأتي لتقول للناس "سوري ما كنش قصدي" .. فهذا الإعلان ذي الثواني المعدودة قد حصد من فريقَين عمل شهوراً بين زرع فكرة وحصدها وكتابة سكريبت وستوري بورد والكثير من الأمور الفنية وغير الفنية، وأقصد بغير الفنية هنا دراسة شرائح المجتمع وأنماط التفكير وما إلى هنالك، مما يؤيد نظرية "النية" المُبيتة، وبطبيعة الحال لن تجد شركة ضخمة معروفة تجازف بكارد "النية" هذا




**

"... ًومن المتوقع أن يتوقف إذاعة الإعلان تماما على كافة المحطات خلال أيام نظرا لإجازات عيد الأضحى المبارك والتي تجعل من الصعوبة إيقاف اﻻعلان .."



تعلن الشركة هنا أن الإعلان قد تم سحبه من كل القنوات والمواقع، وبالنظر إلى الوقت الذي تحتاجه فودا فون لإيقاف العرض، فإنها فترة كافية جداً لتوصيل فكرة الإعلان إلى الجمهور بل والأهم هو تنفيذ الهدف المرجو في الأصل




***

"... نتمني أن تحوز استجابتنا على رضاء كافة عملاءنا و نتمنى أن تستمر ثقتهم الغالية و استمتاعهم بكافة ما نقدمه من خدمات .."



أستطيع أن أقول بكل ثقة أن هذا هو أهم جزء في هذا الخطاب. فكما قلنا، الهدف من رضا العميل وإرضائه هو استمرار الشركة في حصد نتاجها وأرباحها ليس أكثر من ذلك خاصة إن كانت "شركة اتصالات".

الشكل الأنيق والرد السريع الذي يظهر بإعلان إعتذار هو التصرف المنطقي كي لا يتم نبذ الشركة من قبل سبعين مليون مستخدم والأهم كي يستمر استنزاف عقول وأموال هذا العدد.




**** **** *****




إذاً ما القصة وما ورائها؟

فودا فون صادقة في قولها أنها لم تكن هناك نية الاستهزاء بأحد .. فهي فعلياً خبأت نية أخرى غير معلنة.
لنقرأ معاً السيناريو ...



في أجواء صحراوية غير مأهولة يأتي شباب كووول من المستقبل ..

يقول أحدهم ..." ريش ايه .. ريش ايه .. ده ما حدش يعرفك غيرنا"
محدثاً هذا الذي يظهر بمظهر غبي في كونه يريد أن يطير بكتلة من الريش من مرتفع عالي.
(هنا يظهر طمس لمعالم شخصية معروفة بإسقاط مفهوم أنه "غير معروف" سوى لنفر من الأشخاص، ما يعني أنه شخصية نكرة لا توجد في أي صفحة من صفحات التاريخ)



يقول نفس الشخص .." براوز يابني ع الاخوان رايت" ..

(بعد إزالة المعلومة الأولى يتم تثبيت معلومة بديلة والتركيزعليها)



يقول الآخر .. "هم برضه اتبهدلوا .. بس الناس فاكراهم"

(الآن تجري عملية تثبيت المعلومة الجديدة في الأذهان)



فور سقوط "عِبس" - وهنا استخدمت هذه الكنية وطريقة المناداة بها من باب تسخيف الشخص للإطاحة بمعياره العالي لدى المتلقي، وقد كانت الإطاحة هنا صوتاً وصورة للتثبيت – فور سقوطه أتى الفريم التالي -اللقطة التالية - يقدم صفحة الويكيبيديا الخاصة بالأخوان رايت لتحويل المعلومة إلى صورة موثوقة يليها تقديم صفحة فيس بوك شخصية بـ عباس بن فرناس، وليس صفحة ويكيبيديا، تطلق ضحكاتنا الساخرة على حال هذا المسكين، والتي تؤكد نجاح عملية البرمجة لتغيير معتقد المتلقي – المشاهد-.










الاعلان يقصد إلغاء قيمة نحملها وإسقاط قيمة أخرى، وتعني أن من طار فعلياً هما الأخوان رايت وليس هذا الذي سقط في الإعلان كالأبله.



وبالمناسبة .. كان الهدف من هذا الإعلان تعميم الإلغاء والزرع في آن واحد على كل الأمور المماثلة وليس بالضرورة عباس بن فرناس وغريمَيه الأخوان رايت. فهنا يتم تعميم الصورة على كل إسم تاريخي نحترمه واستبداله بكل اسم مقابل يأتي معه في نفس السلسلة.



قد يكون هناك سخرية لكنها ليست الهدف المباشر والأهم، وأرى أن فودا فون قد أخطأت في اختيار هكذا سيناريو كواجهة تمويهية وكان يجدر بها اختيار معايير سينماتيكية أعلى لاقتحام لاواعي المشاهد وتوفير عناء الاعتذار وتقصي وقف الاعلان.



في رأيي .. يفضل عدم نشر الإعلان إلا بإرفاق تحليل كامل لخلفيته الفنية والإعلامية



أمر أخير، علينا التنبه إلى أن جميع شركات الاتصال تقدم في إعلاناتها، والتلفزيونية خاصة، صورة مرئية تمويهية ودائماً عالية المعايير الفنية، وتسرب رسائل مدمجة غير مباشرة ومخفية لبرمجة الناس. 


لا ضير في مشاهدة ما نريد، ولكن علينا أن لا نشاهد بكل تلك الثقة بأنه فقط جميل ومبدع ولنتأكد أن هناك ما ورائيات تستهدفنا وعقولنا وأبنائنا وأموالنا



وهاكم الإعلان للتعرف عليه عن قرب

Hajj 2010 - Marvelous views



























Source: The Big Picture - Boston.com