February 23, 2012

المعنى القرآني لكلمة .. ضَرَبَ


القرآن الكريم يعتبَر أول وأهم مصدر مرجعي وبحثي للغة العربية وأحوالها، لذلك فهو أهم وأول مرجع لتفسير محتواه ومضمونه، أي أن القرآن الكريم يفسر نفسه وكلمات القرآن الكريم تدل إحداها على معنى شقيقاتها في آيات أخرى. وهذا المنطلق ساهم في فك معاني مُرَمزة وتفسيرات لآيات كريمة كانت تُفْهَم على غير نحوها المطلوب لعقود طويلة.

بداية، أود التنويه هنا على شئ مهم، هذه المدونة، مدونتي، لا ولم تصدر منها بحوثاً في الدين خاصة ولا ما ينبثق عن هذا الاتجاه من فتاوى أو تفصيلات لا من باب المناظرة أو المُحاجّة، فقط، لأنني ذات توجه آخر أخذ من كل وقتي وتركيزي، وهذا لا يلغي بالضرورة أهليتي كمسلمة باحثة وذات خلفية لغوية تدعم ذلك، رغم أني بالضرورة أمر بين آن وآخر على مباحث القرآن الكريم ومناقبه التاريخية وغيرها، لأنه قاعدة وحيدة ينطلق منها كل الناس إلى حياتهم بسلام وبسنة الله التي أرادها لنا جميعاً


(لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرْ فَهَلْ مِن مُدَّكِرِ)
الاسلام لم ينزل للمختصين والله سبحانه يقول "أنا سهلته" والدور والباقي على من سيفكر ويتفكر، وكتاب الله نزل للجميع
-د. مصطفى محمود-

وكما تفضل عالمنا الجليل، فأنا أؤمن بأن الله سبحانه لم يجعل بيننا وبينه وسيطاً وهو الأقرب إلينا من حبل الوريد، وأنه
سبحانه أرسل لنا القرآن الكريم المَنْهَج مبيناً مفصلاً يسيراً ميسراً بلسان عربي، وأمرنا بقرائته وتدبره جملة وتفصيلا، 
فهو الوحيد الذي لن نضل بعده أبدا

هذا المقال ليس مناظرة أو فتوى، بل شرحاً، توضيحاً، توصلتُ إليه أنا الأمة إلى الله بعد بحث مستفيض

كانت هذه مقدمة سريعة تحدد شكل بداية الموضوع الذي أنا بصدده

** معنى كلمة "ضَرَبَ" في القرآن الكريم ** 

لمجرد قول هذه الكلمة، فأنت وأنا سنفهم فوراً أنه الإيذاء الجسدي يصدر من شخص أو عدة أشخاص تجاه شخص أو عدة أشخاص، مع اختلاف القصة المحكية وأحوالها. إلا أن الكلمة في القرآن الكريم لم تقصد لا شكلاً ولا مضموناً هذا المعنى، الذي، وللأسف، ثبته أهل التفسير في أذهان العامّة على أنه يحمل هذا المعنى، الهزيل إن جاز التعبير، أمام الدقة اللغوية والبلاغية التي صاغها لنا الله سبحانه في محكم كتابه.

وبالطبع هناك آيات أخرى في القرآن ذُكِرَتْ فيها كلمة "ضَرَبَ" والتي فسرت على معناها الصحيح، لكنها وللغرابة خُولِفَ تفسيرها، نفس الكلمة، في آيات أخرى.

نتج عن هذا التوجه أن أصبحنا نتوارث ثقافة "ضرب النساء" أي "الخبط أو اللبط أو أي نوع من الإيذاء العنيف وإن كان في أخف أشكاله" أنها من أوامر الله في قرآنه، وهذا ليس صحيحاً. 

والغريب، أن أهمية المرأة تطلبت ذكر كيفية التعامل معها في آية "الضرب" المعروفة، بيد أن الطفل المأمور بالصلاة، وهو موضوع لا يقل أهمية، لم يذكر حوله ولو آية تأمر بـ "ضربه" كي يعتاد الصلاة، بل كان ذكرها فقط في الحديث

كلمة الضرب في السياق القرآني لم تعني في أي أحوالها التعرض بالأذى والاعتداء الجسدي، ولو في أخف أشكاله أو مهما كان الهدف منه. فبداية من كونه كرمنا بأحسن خِلْقة نملك قلوباً تعقل وعقولاً تفكر ونجدين هدى بهما خطوط الحياة، بالإضافة إلى حساسية النفس البشرية، وفيما يخص التعاملات بين الناس، فإن اللغة الإنسانية العالية تلعب دورها. ومن هنا أقول أنه لن ولن يفرد لنا الله سبحانه قوانيناً تنص على التطاول بأي شكل على أي آخر، وإلا تتناقض هنا مفاهيم الرحمة تجاه الآخرين كانوا بشراً أو حتى حيوانات لا تعقِل.

سأعرض هنا لآية ضرب النساء في سورة النساء الآية 34 فقط لأنها ذكرت في السياق القرآني


قال الله تعالى في الآية الكريمة
وَالَّاتِي تَخَافُون نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبيراً

في الآية هنا سرد يعرض حلاً إلهياً لمشكلة نشوز المرأة، ولن نتعرض هنا لطريق فرعي حول مفهوم النشوز
تسرد الآية خطوات يلجأ إليها الزوج لحل المشكلة

وهو تسلسل يتفهم طبيعة النفس الإنسانية التي يُقَدَّم لها الحل، وهو يبدء بـ الوعظ كحل أول، ثم الهجر في المضاجع، ثم تأتي الخطوة الأخيرة إن لم تأتي الحلول السابقة بفائدة، ألا وهو، الضرب


والنساء الموجه لهن الكلام لسنَ بالضرورة زوجات، قد يكنّ أمهات، أخوات، و/أو بنات
وسيتضح المعنى مع الشرح المُوجز


*

الوعظ هنا واضح المعنى والمضمون ولا أظنه سيحتاج سرداً خاصاً 

الهجر في المضاجع، قُصِدَ به ترك الفراش وليس حرمان الزوجة من المعاشرة الجنسية، فوضع الحاجة الجنسية في هذا الشأن فيه كسر النفس والإذلال، والذي يتنافى مع الغرض من فعل الهجر في حد ذاته، إذ كيف تريد أن تحل مشكلة بشكل عقلاني يحترم مشاعر هذه الإنسانة التي أمامك وأنت تدوس على طرف حساس عاطفي جسدي بداخلها!! فيها تناقض وغير منطقية.


وفي حالة كونها أم، أو أخت، أو ابنة، فهو هنا هجر معنوي كعدم الجلوس معها والحديث إليها وهكذا

نأتي إلى عقدة موضوعنا وهو الضرب

 كل الآيات القرآنية التي ظهرت فيها هذه الكلمة تعني أحد هذه المعاني وليس غيرها، وكما قلنا فإن المفردات القرآنية تفسر لنا نفسها
يستخدم القرآن الكلمة بعينها لمعنى بعينه وليس هناك تضميناً لكلمة في سياق المعنى القرآني، 

المفارقة .. المباعَدة .. الانفصال .. التجاهل


قديماً كان يقول العرب: سأضربك ضرباً مُبرِحاً، أي سأفصل جسدك عن بعضه بلا رحمة، هذا وصيغ المبالغة من الأمور المعهودة عند العربي عندما يتحدث، وهي هنا بنفس المعنى مثلما يقولون في بلاد الشام (لبنان، سوريا، وفلسطين): بدي طعميك قتلة مرتبة، يقصد هنا: الإيذاء دون رحمة فالقتل هنا مجازياً مبالغ فيه

ولنستعرض بشكل سريع التداول الشائع لكلمة "ضَرَبَ" .. 
ضربه على وجهه = لطمه، ضربه على قفاه = صفعه، ضرب بقبضة اليد = وكز أو لكز، والضرب بالقدم = ركل. 

ونستعرض معناها في المعاجم

ضرب الدهر بين القوم أي فرّق وباعد، وضرب عليه الحصار أي عزله عن محيطه، وضرب عنقه أي فصلها عن جسده، والعرب تعرف أن زيادة "الألف" على بعض الأفعال تؤدي إلى تضاد المعنى نحو: (ترِبَ) إذا افتقر و (أتْرَبَ) إذا استغنى، ومثل ذلك (أضرَبَ) عن المكان أي ابتعد عنه، أو أضربَ في المكان أي أقام ولم يبرح (عكس المباعدة والسياحة)، وضرب به عرض الحائط أي أعرض عنه وأهمله.

 وبإسقاط هذه المعاني على خريطة حل المشكلة فإنك ستراها أمامك المعادلة المحلولة الواضحة والمقبولة المتوافقة مع لغة العلاقة الزوجية، أو الأسرية في حالة القريبات، وقبله كمال التعامل مع تقلبات واحوال النفس البشرية

إذاً، إن كان بالوعظ وهو غالباً يأتي بحوار بين الطرفين، وعندما لا ينفع فهناك حيلة "أنا زعلان منك ومش نايم جنبك ع السرير، وحاخد مخدتي واطلع انام في الصالة اوجنب الاولاد"، -مثلاً- أو ما يشابهه في حالات القريبات غير الزوجة، ثم عندما لا تأتي هذه الحيلة اُكُلها مع الرجل فهذا يعني أن هناك حاجة نفسية أو عاطفية أو كليهما للافتراق المؤقت، أن يضربها بعيداً عنه لوهلة من الزمن كي "تهدى ويصلح الحال" ، وهو ما يفعله بعض الأزواج بان تذهب هي مثلاً إلى بيت أهلها لفترة من الزمن لمراجعة نفسها وتهدى وتفكر، أو يكون ضرباً لا رجعة فيه بالفرقة النهائية مثلاً، وما يناسبها في حالة القريبات غير الزوجة

لن تكون هي حياة محبة ورحمة ولَبِنَة بناء في نسيج مجتمع مطلوب منه أن يكون متراحماً على الفضاء الأوسع، وهو سبحانه يطلب من الرجل أن يقوم بإيذاء المرأة، الأقل منه حجماً وطاقة، والأكثر منه حساسية وعاطفة، ولو بأقل أشكال هذا الإيذاء. فالكريم قد خلق كل البشر مُكرَّمين نسائهم ورجالهم

ولننظر إلى مجتمعنا اليوم وهو يتحجج بهذه الآية، والكثيرون ورائهم يتفنون في وضع معايير هذا الضرب، فمنهم من يقول لكزاً، -عجباً، لم يقل الله لكزاً في القرآن-، أو فلتخبطها هكذا بسِواكك ...والخ من هذا الكلام. وأصبح كل رجل يضع معايير ضربه التي تصل إلى القتل أحياناً، ولأنها ليس فيها أي منطق رباني فهي تأذي ولا تنفع 

أدعوكم لاسترجاع كل الآيات القرآنية، بالسياق الذي ذكرناه هنا، وتدبر الآيات كل على حدى 


نهاية مقالي، أقول، هذا مبحثي الخاص والذي ابتدئتُه حيث انتهى به ذوي اختصاص وانتهيتُ به انتهاء طالب متأدب بعلم، وهذه المساحة وإن لم تكن مساحة مناظرة، فهي أيضاً ليست مساحة للجدل



المراجع
 لسان العرب- ابن منظور، الصاحبي في فقه اللغة - ابن زكريا، من كتاب المسكوت عنه في الإسلام - نبيل هلال- 
د. محمد شحرور - معز الرماح

إلى عمرو دياب وتامر حسني .. مع ثائر


أغنية جميلة تقدمها خرابيش بصوت الـ ثائر الـ حسام الدين 

مع التحية والمحبة والتقدير


February 22, 2012

عن فلسطين .. الوطن



عندما ينطلق صوت الحق يكون غامراً ولا يسكت حتى وإن تهيأ لنا أن أصوات الآخرين قد خَفَتَتْ. أذانه أعلى من مدى السمع، وأسرع من لحظات تفكيرنا في هذا المدعو المصير.

أتُراهُ الله لا يدري بقلب المؤمن العامِل، وغيره الغافِل؟! .. بعد هذا الاستفهام تأتي كل الإجابات

كم وكم عَلَّمَنا رجال فلسطين معنى الرجولة والكرامة، أن يكون في القبضة قضية وفي القلب وصية. أذاقونا طعم الأرض وحضن البيت. أنتم أنتم زينة السماء إذ تملؤوها بملائكتها ترتص لكم تزف كراماتكم ودعواتكم إلى باب الملك المُجيب القريب

وكم هُنَّ أمهاتكم عظيمات يَحْمِلْنَ وطناً بهذا الوسع على أكتافِهن وتحضن ذراعهن أبنائهن بكل الحب في ساع هذه الحياة


فلنُعِد تعريف السجين، هو الذي تخنقه حرية غريمه الحُر فيضعه في فضاء صغير أسماه عُرفاً سجن. ويظل الحر هادئاً في ملكوت الحق، ويظل هو مختنقاً يراه قيداً وقضباناً. 

يخسأ من يقول أنكم قوم بلا وطن، وجهول من ادعى القوة أن يسلبكم إياه. 

والله يا أخوتي هم بلا وطن، نحن بلا وطن، أنا بلا وطن، وأنتم أنتم معنى الوطن.

أحبكم.. أحب فلسطين.. الأم.. الأرض.. الاختبار. 


credit: Caoimhghin O Croidheai

February 19, 2012

رائعة تميم في حُب أبويه



أَهِلّة في قلب السماء
يضيئها قلم تميم 

لولا رضوى موجودة ومريد موجود 
 ما أصبحت الكلمة دولة والحروف حدود

كم أنتم رائعين!

بُورِكْتُم .. وبُورِكت الأرض التي أنجبتكم


February 8, 2012

الولدُ عاق والوالد مُعاق!



عندما ثارَت قضية أخطاء الهيئة في السعودية ثم أخبار توأَمَتِها في مصر، وكان ذلك منذ شهر تقريباً، كتبتُ مقالي (وما أدراكَ ما العشاء الأخير)، أتيتُ في نصف المقال وكتبتُ

(نقاش السلفي الوهابي مع مُلْحِد، ينتهي بسب وشتم ولعن المُلْحِد. بيدَ أن المنطق يستدعي السماع له لفهم سبب وأبعاد تفكيره بتجرد عن العاطفة والقناعات الشخصية، ثم تفتيح ذهنه على شبابيك كانت مغلقة داخل عقله.
وما يحصل في مثل هذا النوع من النقاش، أنك تحدثت، وفي الغالِب بصوت عالي مليئ بسرد النصوص، وتحدثت أكثر منه، وتركته هكذا دون أن تكسبه لطرفك، بل تركته وهو يحزم حقائبه لمنطقة أبعد عن الله. إن اكتسابه في طرفك مهم جداً طالما أنك تملك القناعة الأوضح والأكثر صدقاً. وهذا الموقف عينة عن ضيق الأفق والخوف)


هذا المشهد يحدث دائماً وليس شرطه الملحد، تجده حتى بين السلفي الوهابي والمسلم الوسطي

وقتها لم يأتي على بالي أن يُحكَم على هذا "الضد" بالقتل بعد تصنيفه بالإلحاد والكفر، بعد أن أعلن توبته وتراجعه عن كل قوله أكثر من مرة! حسناً، لم يكن خيالي واسعاً لهذه الدرجة حين كتابة هذه الجملة بإضافة حد القتل كنهاية حتمية، لكن عدستي المُكبِّرة شملت الرؤية اُفقية ورأسية.


 أنا أتحدث عن حمزة كشغري تحديداً فهو حديث الساعة. حتى الأمس لم أكن أعلم بقصته ولا مَن هو، ثم تتبعتُ قلمه، ولم أرَ ملُحداً، بل مؤمناً! هو فعلياً مطارد الآن مهدور الدم، ونحن حتماً خسرنا شاباً إضافياً ضمن ما نُضيع كل يوم من ثرواتنا البشرية دون تقديم أي محاولة للحد من هذا الإهدار المسرِف في أبناء الاُمة

حمزة شاب لم يتجاوز الـ 22 من عمره. لا يمكن وضعه في قائمة الملحدين أو المرتدين، وليست كلماته إيذاناً صريحاً بأنه كذلك. كل من يعرفه يعرف أنه الشاب الهادئ المتدين المثقف، حافظ القرآن الكريم يدرسه في الجامع، محب الله ورسوله. 


ستخدعك في سطوره أن تظنه الكاتب ذي الأربعين حياة بأناقة قلمه وبعده الفلسفي. وشطح الفلاسفة من الأمور الخطيرة إذا ما استوت بين يدي الأمي فيها، فهي تبدو كاللغة القديمة برموزها الغير مفهومة والتي قد يعتبرها البعض طلاسم تنفث بكفر، أو تبدو للبعض الآخر كعاهرة تراود كاهناً عن نفسه. هناك سياحة طويلة على أحدنا أن يضرب في مناكبها حتى يصل إلى أبجدية الفلسفة وفهم الذين يتحدثون لغتها.


 ولنعد إلى حمزة، ففي ذكرى المولد البنوي خاطب الشاب الرسول عليه السلام خطاباً افتراضياً حميماً، فيه من العتب والشكوى والحب. وقد رآها المتدينون في السعودية رؤيا حامل كأس سائله أصفر، يصرون على أنه خمراً وما هو بخمر، وأن كل مترنح سكران! وبالتالي فإنهم مقتنعون أنه يجب أن يقام عليه حد شارب الخمر، ومن يدافع عنه فهو سكراناً مثله. 
.
ولن اُرجع من عندي أي رابط أو أستعرض بعض مما قال الشاب، فبالتأكيد قد مررتم على كل ذلك قبل أن تتعثروا بمقالي، وقد أجد أن ما كتبتُ هنا مكرراً، بل وقد أكرر نفسي مما كتبت في  مقالات أخرى. 


**


أتابع بعض المُلحدين على تويتر ،وليس كشغري، والذي أعاد في بروفايله نشر تغريدة عليها أن لا تنتمي إلى حصيلة أفكار ملحد مثله، المؤثِّر حقاً، أن يقوم بإعادة نشر جملة تقول (اللهم دُلّني على من يدلني عليك)، وهو القائم بكتابة آرائه الإلحادية أحادية البُعد طوال الوقت، فذلك يستحق علامة تعجب كبيرة!

إذاً هناك قلب ينبض بالسؤال وعقل يتيه بالبحث وروح ترنو إلى مرفأ!! إذاً هُموا ليسوا مخلوقات دُنيا أو مرضى طاعون علينا حرقهم أينما ثَقِفْناهُم!!! سواء صنفناهم مُلحدين أو شاطحين أو زنادقة أو ما تكن القائمة التي نبنيها لهم

نعم، قد ينتهي الطريق بالمُلحِد إلى الله إن كان في طريقه إليه محطات نورانية تجسد له وجود الله وليس ثُلّة بائسة ترتدي عِمة الجهل وقفطان السلطان، أو سينتهي به الحال، إن لم يكن محظوظاً كفاية ويلتقي بهذه الثلة، بأن يحتفونه إلى القصاص الرجيم. 

وموضوع كشغري مع اختلاف أصل حكايته إلا أنه مجمول بدوامة هذه القائمة الطويلة، فقد أمر الملك عبد الله بقتله، فهو المترنح حامل الكأس الحرام، وهذا بعد أن أعلن توبته ورجوعه عن كل ما كَتَب ثم فراره بحياته إلى إحدى الدول الآسيوية ونبأ التربص به لإلقاء القبض عليه، وكأنه آخرهم ثم تطوى صفحة الملحدين في العالَم. وإن أتى على خاطرك زيارة تويتر -الموضوعات السعودية- ستقرأ العجَب العُجاب. يصبح الجميع فلاسفة مؤمنين يقدمون هدايا الوعظ والنصائح والنبوءات، يشمئزون، ويرسمون كمالهم في مائة وأربعين حرف، كائناً من كان يغرّد، أو لنقل ينعق.

جلسات "المُكَسّرات" التي تنشط هذه الأيام تذكرني بأيام هُجْنا وضربنا على الصدور وسلَلْنا سيوف الحرب على الرسام الدنماركي كيرت الذي رسم الرسول، وقررنا مقاطعة المنتجات الدنماركية، ومحاوَلة البعض تهديده، وأخبار في كل مكان عن معجزة احتراقه في منزله...الخ، وقبلها بسنوات، ثورتنا الفحولية ضد سلمان رشدي والتي ماتت ساعة مولدها.

أعدكم، هي أيام معدودات وستنام جمراتنا الحَمِأة تحت رمادها قريباً. هكذا نحن، دائماً، نأد أولادنا خشية إملاق ونسهو عن النظر إلى السماء ومائها ونبتها الذي يرقص حولنا، لا نفكر ولا نتفكر في من رزقنا وإياهم، ولا نتروى قليلاً كي نعرف أن الضال له ألف حل قبل قتله وإهدار دمه وإزهاق روحه، وأنه ابن وزرنا وجهلنا. وبأن الله الذي لم نراه قد دَلَّنا عليه بالنجدين وبقلوب تراه وبرسالات حولنا في كل مكان، وأنه تكفل بهداية الضالين، وأن مسئوليتنا تجاه الملحد والتائه والـ "شاطِح" لا تنتهي بـ "وأده"!!

***

خلاصة القول



 لا تنسوا قول الغزالي
 إن انتشار الكفر في العالَم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم

وقول عمر بن الخطاب
ربّوا أبنائكم لجيلهم فإنهم قد خُلِقوا لجيل غير جيلكم


إن كان ابنك عاقّاً وتطرده إلى الشارع سيزيد انحرافه، وهذه ليست تربية هذا خلل. 
هو عاق والوالد مُعاق

لن تنتهي هذه المشكلة، لا ولا أي من مشاكلنا، لأن الحلول دائماً بائِرة والقائمين عليهاعقيمين. وكأن الحياة تخلو من الشوائب. وكأن الدنيا فريقين أولهُما قائم مقام الوكيل الإلهي والآخر مُلحد، وضال، و...الخ مما ليس له حصر من خطايانا

على ولاة الأمر وهم الأسرة، المدرسة، المؤسسات الاجتماعية المختلِفة، الدعاة، الناشطين الاجتماعيين، رجال التطوير البشري، الخبراء النفسيين، القدوة من مشاهير المجتمع، و...من في قائمتهم ....

1
تغيير الطريقة التي يتعاملون بها مع شباب الثورة الفكرية والانقتاح المعلوماتي 

2
تطوير وتعديل اللغة البنائية التي يُخاطبون بها الشباب

3
تغيير جذري لأرضية المناظرة الفكرية التي يعملون بها مع كل الناس وبناء شكلية جاهزة مُحْكَمة وظاهرة يمكنها احتواء هذا الجيل ابن التكنولوجيا وأخيراً ابن الثورات 

4
تطوير واستيراد الأدوات التنويرية بما يتوافق مع ما غيرته الطفرة التكنولوجية من طرق تلقي هؤلاء الشباب. فمن يحب القراءة فله ذلك، ومن يحب الرسم وهو كذلك، ومن يحب الموسيقى له مثل ذلك... وهكذا

5
التبرء من شكلية ذي المقام الأعلى صاحب الكلمة الأكمل في الحوارات مع الشباب، فزمنهم يقدم لهم في سنة ما اقتناه عالم من علماء الأمة في مئات السنوات، واحترام عقلهم أوجب حتى لو كانوا في سن صغيرة، ولا ننسى فإن شيمة المُعَلِم التواضع للعِلم وتقدير التلميذ

6
عدم اختزال كل هؤلاء الشباب إلى شخص واحد يتوجب معه ذات الطريقة ونفس الأسلوب. كل شاب له مدخله الخاص به وبيئته القادم منها وغير ذلك، علينا أن ندخله، وأحياناً تكون إحدى الطرق بالابتعاد الكامل عن النص الديني المباشر وغير المباشر. هناك طرق أخرى يمكنك الوصول بها إلى قلب وعقل الشاب كي تحدث فيه التغيير المطلوب، كن بحجم القضية وعلى قدر المسئولية 

7
 الإعتراف بوجود المشاكل التي تواجه الشباب كماً وموضوعاً والتعامُل مع المشكلة لحلها وليس مع صاحب المشكلة لإحجامه

8
أن يبتدء كل منا بنفسه. فالمربي يحتاج إلى نصيبه من التهذيب والصقل واحترام العقل وعقل الآخر كي يستطيع إنتاج جيل يشبهه. وهو فعلياً يفعل ذلك لكن قبل التحديث! 

***

وأخيراً، أبنائنا المغردين خارج السرب ليسوا صابئين وإن بدوا كذلك وإن أعلنوها. في كل واحد منهم قبيلة نخسرها في غد إن خسرناه اليوم.
هناك الكثير الكثير من الطرق المؤدية إلى شباب بنّاء نهضوي واعي مسلم، ولنضع أمامنا تجربة ماليزيا، وقبل أن نضعها أمامنا علينا أن نضع نصب أعيننا قبل وبعد كل شيئ ولاة الأمر في ماليزيا ونبدء منهم.

مرة أخرى: الغِلظة .. الغِلظة .. الغِلظة 
هي أم الخبائث، فابتعدوا عنها
(رَوَتْه لونا رضي الله عنها وأرضاها)



 لن أحصي كل الحلول، بل قل الاقتراحات، ليس مقامها هنا ولستُ الأهل لذلك. أنا فقط اُنير شمعة، وحاول أنت أن تنير شمعتك، كي نصنع شمساً




**هامش**

تغريداتي التي كتبتُها حول هذا الموضوع


نظرتنا إلى المُلْحِد إلحادية. نراهم كائنات ظهرت هكذا فجأة دونما سبب أو مُسَبِّب من عدم وبالمثل نحاربها إلى العدم.
**
يُفترَض أنّا مُنَظِّري المدرسة الإيمانية، كل المعادلات تأتي من أسباب وتؤول إلى نتائج ولا تنتهي إلى العدم، وكلنا مسئول عن الآخر كالجسد الواحد
** 
يخلّوك تطلع من دينك ولما تطلع منه يذموك وكأنك جرثومة ثم يخرجون جماعة لقتلك. أنتم من يجب أن يتخلص منهم الناس
 **
ياللهول! يتوب الله على من تاب ولا يتوب الحاكم ورجاله. خيراً فعلتَ يا حمزة
 **
عبادة الحُكام لا تُخرِج من الملة ولا تستدعي القتل، وقد يؤدي الإلحاد بالحاكم إلى القتل بطبيعة الحال
 **
من الغباء أن تحطم جوهرة لأنها فقط كانت ملوثة، ومن الحكمة أن تنظفها وترعاها كي تعود إلى لمعانها. ما أقول ونحن أمة لا تقدر جوهرة العقل
**
منقول عن -أبي القعقاع-: أي تغريدة بها تجاوز ديني، صورها وتواصل مع كبار العلماء. (هل الوشاية من الإسلام؟ ومن هم (كبار) العلماء طال الله عمرك؟) يُتبع
**
كشغري حافظ للقرآن وكان إمام مسجد. آمَنْ يسأل هنا: مالذي يؤدي بأمثاله إلى ذلك؟ وماذا عن احتضانهم والحوار معهم لكسبهم وليس لفقدانهم! ..يتبع
**
أيُّها أسْلَم، أن يفصح أحدنا عن فكره لإمكان فهمه وتقويم أي اعوجاج، أم، أن يخبئه بأمراضه كي يخرج على المجتمع؟! أهكذا نربي أبنائنا؟
**
كان يا ما كان، كان المجتمع المسيحي متدين، حتى طَغَتْ غلظة الكهنة وعصاهم على كل مفكر، واليوم 90% منهم ملحداً! أوَ 
نحن على الدرب؟
**
كشغري أفصح عن فكره وسهُل بذلك اقتناصه، لكن، هل تعلمون كم نسبة تزايد الملحدين السعوديين المختبئين في عبائة الصمت؟ من سببهم؟

-رد أحدهم علي بأن علينا ملاحقة "الملاحدة"!! ثم أردفتُ بالقول:
أنت في زمن التَيه، ولوم الملحد وملاحقته لن يوقف من تفاقم المشكلة. أوَ انتهت الحلول؟




February 7, 2012

وحياتي عندك اصبر يا خَي


تحركُ المواقف والأحداث المحيطة مشاعرنا وتثير قريحة القلم. 
رغم أني لستُ صاحبة شعر إلا أن التعايش مع الأحداث اليومية التي تحدث في مصر تحديداً وباقي المنطقة تستنطق مني كلام لم أعهد القلم أن يخُطه.

هذه الأبيات. لم اُهدها عنوانها. وأعرف أنه قد يكون هناك فجوات في بحورها الشعرية، لكني وجدتُ نفسي أكتبها، وأرغب في تقديمها للثوار، وأقل ما يمكن، فليعتبروها باقة ورد صغيرة من طفلة مُحِبة عبرت شارع مُعبّق بالمارّة تَهدي كلٌ نصيبه.
 أريدها الابتسامة وأريد بها بضعة أمل، هذه الباقة المتواضعة من الأبيات بالعامية المصرية.

وعذراً منكم أيها الشعراء

اختكم
لونا