لبنان .. بلد صغير جداً، متنوع جداً، متقلب جداً، جميل جداً. قلّما نجد في بقعتنا التي سُميت تعسفاً بالشرق
الأوسط، أن نجد فيها هذا الكم الهائل من التناقضات العقدية والمذهبية وبعضها في مساحة
صغيرة، وكم هائل من التنوع في الثقافات والأمزجة، بل الغريب جداً في ذلك تحديداً أن
يكون كل ذلك داخل هذه الخريطة الصغيرة جداً التي رسم الاستعمار حدودها بورقة وقلم وخطط
وآمال.
نعلم ان لبنان هي جزء من كل للخريطة المنشودة للدولة الإسرائيلية، فهناك بعض الدول العربية أمثال العراق
مأخوذ جزء منها لإكمال الخريطة الإسرائيلية وهي التي يُزعم أنها تعني شيئاً في العلم
الإسرائيلي - النجمة الواقعة بين النيل والفرات!! لكن ماذا عن لبنان؟
قد تم اختيارها بذكاء داهية كي تكون البقعة الصغيرة التي تسحب كل من حولها في دوامتها و تبقيه داخل كثبان
المؤامرة، فهي عندما كانت جزءاً من الشام لم تكن فيها كل تلك الثقوب التي يستحيل مع
كثرتها حتى مجرد التفكير في ترقيعها بشكل أو بآخر. هي بعد الاستعمار وتقسيم العالم
العربي كغنيمة للمؤامرة، هي المركز الذي تعمد المتآمرون إخفاء معالمه الذي من خلاله
سوف تكون بدايات التنفيذ الفعلي والمعلن للمخطط الصهيوني لامتلاك المنطقة، فهي مدخلاً
بين عالمين ومن هنا تكمن أهميتها، وهي دولة مَرِنة فاتحة كل ما فيها لأروع ما في المدنية
وأجمل ما في الحضارة وأخطر ما في الديمقراطية، إذا فهي المنشودة الغالية.
ها نحن الآن عُدنا وشاهدنا حرباً فيها دمار وقتلى وخسائر .. ثم .. ها نحن عدنا وشاهدنا حرب شوارع .. بعد أن قلنا لكل هذا وداعاً في مقتل. هل نجرؤ على السؤال أن نقول وماذا بعد؟ ... نحن نعرف هذا البَعد،
وبعد البَعد، لم نعد نعرف ماذا يجري من الداخل، وكيف تجري اللعبة السياسية أيضاً من
الداخل، فما نراه ونقرأه ونشاهده في الإعلام هو صفوة ونقاوة مالكي القابس الإعلامي
في العالم، أما قُلنا قبلاً أن الإعلام هو أداة هذا القرن في يد صانعيه لحكم العالم
وامتلاكه!
لبنان صغيراً ما يكفي كي يستحيل معه تقسيماً فاضحاً كما يحدث في العراق والسودان والله العالم كم دولة عربية
قادمة لكنه، برغم ذلك، هو أفضل مكان لانطلاقة فعالة وقوية لتنفيذ الشرق الجديد والخريطة
الجديدة.
ببساطة هو المبدأ الانجليزي اليهودي "فرق تسد". الحكاية ليست أننا لسنا بالذكاء أن نلعب على هذا المبدأ
لصالحنا سواء هجوماً أو دفاعاً، بل أسوأ ما في الحكاية أننا كنا ومازلنا من الغباء
أننا لم نفهمه وهو أمام أعيننا طوال قرون، ومن التجرد والتهميش أننا نختبئ تحت وسادات
الخيانة المرصعة والمطرزة بفضلات من كنا أسيادهم يوماً، وهو المبدأ الذي ينخر في هذا
الجسد حتى فتته أشلاءً لا تقوى الغربان على أكله، لن تأكل الغِربان جسداً حياً
متعافياً بالتأكيد.
أنا لا أشوّهنا .. أنا فقط اصور الواقع لكن من الداخل دون تنميق. لا أدعو لشيئ ولا أطالب بشيئ، فأقلام كثيرة
جداً قد فعلت. أنا فقط اُسطر بنات أفكاري التي ترقص في عقلي وترجّه، خاصة عندما اُشاهد
ما نشاهده جميعاً. فلنقل أنها طريقتي في قول: حسبي الله ونعم الوكيل. عموماً هي رؤية
صغيرة بقلم سياسي متطفل ..
No comments:
Post a Comment