August 25, 2007

رمضانك يا تلفزيون 1


يطول بنا الوقت ونحن نتدحرج كإعلاميين بين مقالات ولقاءات النقد والاستنكار والتهكم حول ما يصنفه فئة تعارض وأخرى مقابلها تؤيد وأخريات تحيد، وتكثر الآراء بين القارئ والمستمع منتهين جميعاً إلى استمرار الحال كما هو عليه.
اتسع أفق التلفزيون الفضائي، وهو حقيقة محور قلمي هنا، لنرى تقريباً كل يوم قناة جديدة، ولو كان هذا هو الحال فقط لقلنا لا بأس يحق لمن يشاء أن بجرب حظه. لكنك ترى قنوات جديدة تطفو، غريبة الهوية والمضمون، فلا تجد رقابة تصنف وتوجه، ولا يبقى للإعلاميين أنفسهم إلى الاستغراب حول الرأي الذي يجدر بهم التصريح به ويصل بمعظمهم الأمر إلى التلويح و التعجب!
إن شيئاً لا يتقدم تجاه تصحيح الوضع، فالظاهر هنا أن العنان لانهائي لمن هب ودب من أصحاب الأموال أو حتى الأهداف الضمنية الذين يتبنون ولادة قنوات أو حتى مجلات جديدة، ورغم أن اتجاهي هنا هو إلى الحديث عن ما تقدمه جميع القنوات خاصة في رمضان إلا أني أعلم أن حديثي قد يكون تكرر كثيراً ، إنما لدي حث في طرح ذلك وفضول في قراءة أفكار النخبة بل ومناقشته أيضاً.
كي أستعرض سريعاً جداول البرامج التي تعرض في كافة القنوات العربية في رمضان خاصة وجب علي قراءة ملامح رمضان ولو من بعيد، ما هو وكيف أراده الله أن يحتوينا في شهر في السنة فقط ومقابل ذلك كيف نحن ضممنا رمضان في قائمة أرباحنا ومصاريفنا وأهوائنا إن جاز التعبير.
رمضان .. الرمض .. كنية إلى الرمضاء أي شدة الحر ويرمض الذنوب أي يحرقها. ومن هنا كان عطاء الله سبحانه لخلقه في شهر مختلف عن باقي السنة، فتجد رمضان في كل شيئ يخص ابن آدم، الرحمات والجوائز والعطايا الربانية، الميزات الإنسانية والاجتماعية، الفوائد الجسدية والنفسية والتربوية. كل ذلك مغلفاً لنا نحن البشر في هدية ربانية أسماها الله رمضان.
وجب بعد هذا الوصف الوصول بكم إلى المفاد، وهو أن كل هذه المزايا والتميز في رمضان لم يكن ليصلنا رجاه نحن البشر لو لم نفتح الهدية ونأخذ كل ما فيها من مفاجآت، وهنا مربط الفرس .. فلكي نستطيع التمتع بكل فوائد رمضان كان شرطاً علينا العمل بكل قوانينه وإلا فعلى قدر ما نغترف ننال .
يعلم جميعنا أننا نستفيد كثيراً خاصة في السنوات الأخيرة من بعض البرامج الدينية التي أطلت علينا بالشكل الحقيقي للإسلام والتي كان معظمنا يجهلها قبلاً، ما يدل على ذلك هذا الكم الجماهيري الذي ينتظر هذه البرامج ليس في رمضان فقط بل طوال العام كي يستمتع بالأحاسيس الجميلة التي تسري بداخله لمتابعة مثل تلك البرامج، وليس حديثي حولها إذ أنني أضع ذلك في خانة إيجابيات الفضائيات بشكل عام، لكني أسجل هنا تعجبي من معظم القنوات التلفزيونية التي أصبحت تتفنن في ملء جدولها الرمضاني بما يُخرِج معظمنا من طابور مُستقبِلي الهدية الربانية بغلافها الرمضاني، فوقتنا مشغول بمتابعة البرامج المليئة هذا العام أو ما قبله، حتى أصبحت مثل تلك الأعوام متراكمة.
سؤال لو طرحته على أصحاب القنوات الفضائية أعلم يقيناً أنني سأواجه بإجابات دبلوماسية مقنعة في الأغلب، حول منطقية وجود هذه البرامج والمسلسلات ... لكني هنا كي أسأل بانتظار إجابة ...
نحن نعلم أنه شهر خاص جداً ترتفع فيه صلتنا بالله وتفتح فيه آفاقنا الروحانية بسبب صيام الجسد والهوى أي قطع صلته بمحيطه الدنيوي ووصله بحبل الله عالياً في فضاء له أبعاد أعجب وأجمل من فضائنا الذي يعج بأقمار التشويش الروحاني. لماذا نصر كل عام على أن تُملأ جداول البرامج للقناة فلانة أو علانة بعجب عجاب أكثر من العام الذي قبله. بين مسلسلات، أفلام ( في القنوات المتخصصة )، فوازير، لقاءات حصرية أو عشوائية، حفلات، خيمات -يقال عنها- رمضانية، بل وبرامج دجل تتكهن بالمستقبل وتجلب الغائب!! .. قد أكون هنا جملت القنوات المعروفة بغيرها من التي بالكاد نعرف هوية القائمين عليها، لكني وعذراً من الجميع لن استطيع فصل قائمة أسماء البرامج لأنها من فصيلة واحدة مهما حاولنا أن ندافع عن المَواطِن التي نسبت إليها، أي كلها في مسودة مفسدات رمضانية !!
تقول بعض الإحصائيات، أن مسلسلات رمضان عام 1427هـ المعروضة في جميع القنوات الفضائية تجاوزت الخمسين ونسبة 25% من هذا الرقم يخص قنوات معروفة جملة. حسناً .. يعني هذا أن كل ساعة تقريباً هناك حلقة كل يوم في رمضان بما في ذلك طبعاً العشر الأواخر، وهذا فقط في قناة واحدة .. وفقط مسلسلات !! .. أما عن موضوعاتها فلا شيئ لِيًحِدها خاصة تلك التي تعرض قصص حياة الفنانين والراحلين منهم، نأتي لنتعرف على باقي قائمة المسودة ... الأفلام بما فيها من تفاصيل يعرفها الجميع ... الفوازير وأجمل ما فيها استعراض أجساد الحسناوات ( أي صدقة إفطار صائم – فكلنا يعلم أن الصوم لا يخص نهار رمضان فقط ، بل يظل الصائم صائماً طوال الشهر ليله ونهاره ، وإلا لما كان رمضانا ) .. الخيمات التي تغطي أصوات الطرب ورقصات الراقصين والراقصات حتى الفجر ... الخ.
لا أخص أحداً بالقول، رأيي أن التعميم يجعل كل إنسان منا يرى مرآته في أي جزء يمر عليه في مثل هذه المقالات التي اكتبها الآن، وهنا الفائدة تكون أكثر، لأن محاسبة النفس هي أفضل نفعاً بكثير من رشق التهم العلنية والتهكم، ومن منطلق أنّا كلنا خطّاؤون كان تعميم كلامي فرصة ليجد كل منا، كإعلاميين، صدى خطأه بين السطور وليكن بين أمرين بعدها، التجاهل أو التصحيح.
المرآة تقول أن التلفزيون اليوم يضم بداخله الضيق أفقاً كبيرة واسعة، وكل قناة اليوم تشكل مدرسة بحد ذاتها، فهي من تشكل أجيال العقود القادمة ومن هنا وجب على كل إعلامي النظر حول مدى الفائدة أو الضرر الذي تحتسبه عدادات قناته حيال تأثيرها على هذا الكم الهائل من الناس المتأثرين بل والمتعلمين مما تقدمه قناته.
لننظر قليلاً إلى الجزء الملئ من الكأس ..
 بين البرامج التعليمية والدينية والمسابقات التثقيفية التي لا تركز على أن تكون إحدى ملكات الجمال مقدمتها وبين المسلسلات المدروسة من حيث المضمون الاجتماعي التاريخي حتى لو كوميدي. فأولاً وآخراً أنا لست سوداوية أو قاطبة حاجبيّ، ومن حيث عددها إجمالاً بين كل القنوات، وهنا سؤالي الذي يطرح نفسه، هل تشترك المؤسسات الإعلامية التي تدير القنوات الفضائية من نفس ورقة الدراسة الإعلامية لما يعرض إجمالاً في رمضان!! هل تجمعهم طاولة واحدة للإتفاق حول خطة إعلامية شاملة تتعاون فيها القنوات على دفع أذواقنا وأخلاقنا عالياً ولو فقط في هذا الشهر!؟ يبقى السؤال يشير إلى النفي حتى دون مجيب عليها حيث أن ذلك جلياً في التداخل والتكرار الظاهرين في البرامج والمسلسلات على السواء.
................. يتبع

No comments: