April 5, 2008

بالنسبة لهم هي لغة البونجا بونجا


لم تمر فترة من فترات التاريخ، في أغلب الظن، أنتشر فيها الحوار والجدل حول مفاهيم الحوار مع الآخر وطرقه، بقدر هذه الحقبة من الزمن. فقد أصبح هذا الجدل سمة العلاقات بين الطرفين الأغرَّين الشرق والغرب خلال العقدين ولنقل الثلاثة عقود التي مضت

ظهرنا كعالم إسلامي يريد أن يقول أهله شيئاً بعد أن اختفى عن أنظار الخريطة العالمية، كثقافة واعتقادات شعب، وعندما بُهِتنا فجأة بعدد من الأحداث الإرهابية وإلصاقها بنا عندما لم يكونوا بعد يعرفون ما هؤلاء، أي نحن، فآنذاك كان هناك عدداً كبيراً من الناس لا يعرفون أصلاً بوجود خريطة عربية ولم يكونوا سمعوا قبلاً بـ الإسلام، الجزيرة العربية، مكة، والعديد من الدول العربية، والتي أصبَحَت جميعها اليوم سلوجانز للمانشيتات العريضة للصحف والقنوات العالمية، كلهم يعرف اليوم، بشكل وبأخر ما نحن وأين نعيش وما إلى ذلك، لكن يظل هناك حلقة الوتد المفقودة في هذا النسيج المعرِفي بيننا وبينهم

هي الأسماء والأشكال الباهتة المتناقلة من النت والصحف وغيرها التي لم يصل الغرب إلى أبعد منها للتعرف علينا، وأنا هنا أقصد عامة الناس، لأنني وحينما أشير إلى الكُتَّاب والسياسيين والعلماء وخاصة الناس فأنا هنا أفتح طريقاً فرعياً للمقال يصيب القارئ بدوخة يصعب بعدها العودة إلى لُب موضوعي

الشعوب هي الركيزة التي تشغل تفكيري دائماً لأنها هي التي تشكل الطابور الطويل الذي يقود هذه الحياة في اتجاهات مختلفة، وهي للأسف التي تحمل القلم الأحمر اليوم لتضع حولنا الدائرة الحمراء وطبعاً كلنا يعرف من الذي يتبرع دائماً بتوزيع هذه الأقلام الحمراء كهدية مرفقة بطريقة الاستخدام

نعود مجدداً إلينا .. لماذا نبدو لهذه الطوابير أشخاصاً جهجهونيين لا نزال نضاجع النساء من خلف وشاح ولا نمشي في الطرقات إلا والخناجر معلقة في خصورنا؟ لماذا لا يتنبهون إلى الجينز والسيجار الكوبي الذي أصبح قوت الكثير منا؟ بل ولماذا لا يستطيعون رؤية منابرنا القابعة في التاريخ!

إذاً توجد مشكلة أن هناك عازل يمنع الطرف من رؤية الطرف الآخر، وتسميه الصحف "لغة الحوار مع الآخر" ..

وللرد على ما يحصل منذ بدايات القرن الحالي تقوم المؤسسات الدينية الإسلامية أو بعض أفرادها كاجتهادات فردية بتنظيم نصوص نظرية في أغلبها لا تكاد تخرج من قيود سطورها وحبرها، هذا لأننا نكتب بلغة البونجا بونجا التي لم يفهموها حتى وهي مصحوبة بمترجِم محترف

أقول ذلك لأنني وببساطة قمتُ لأجلس في الجهة المقابلة من طاولة الحوار، كي أشاهد بصورة أوضح ما يجري

الكثير من المسلمين بارعين في الحوار واشتقاق الحجج والإثباتات وما إلى هنالك لكن العديد منهم يتحدث وكأنه محاضر جامعي لطلاب مسلمون أو خطيب مسجد لمصلين مسلمين أو حتى كشخص عادي يثرثر بطريقة والديه أمام صحبته الذين هم أيضاً مسلمون، ومن باب الإنصاف فهنالك شباب قدوة استطاعوا اجتياز عدة مراحل من هذا الاختبار شكلاً وموضوعاً.



 ما أريد هنا وضع العدسة عليه هو تأكيد أننا قادرين على تقديم الخطاب القوي لكننا نقدمه في الأغلب بطريقة حوار لا يفهمها الغرب

فعندما اُستشاط غضباً واقيم الدنيا لأن أحدهم رسم رسمة كاريكاتورية للرسول سيراني الطرف الآخر "مجنونة" ويسأل: لماذا تفعل كل ذلك .. كله لأجل صورة كاريكاتورية؟ فهو لا يفهم البعد الذي أرى به الدنيا أو أرى به محمد عليه الصلاة والسلام .. فبالنسبة لديه هو ليس لديه رباً من الأصل وعندما يأتي الموضوع حول شخص قادماً من التاريخ، كما يراه، فالأمر لا يستحق البتة، وبالتالي فالحكم علينا سيكون أننا بربريون وهمجيون وكما كل الذي قيل، كيف يحترمون نبينا وهم لا يحترمون نبيهم إما بنكران وجوده أو بتسفيه حقيقته أو بالتطاول عليه بطريقة وبأخرى!!

يصل عالم "الآخرين" اليوم لحافَّتَيْ هاوية و مع الحياة الرفهة هم لا يرون ذلك .. جزء ملحد لا يرى دليلاً، مهما قدم العلم له، على وجود من أوجد وخلق كل شيء، والآخر هو إما عِلماني أو متدين متطرف .. وفي كلتا الحالتين هم يرون الأمور من داخل أبحاثهم ودراساتهم وقراءاتهم الشخصية

فعندما نأتي نحن لنقول كلمتنا هنا يجب أن نكون على وعي تام بكل هذه المتاهة التي نحن بصددها، وأن نكون قادرين على صياغة المعادلات الشاقة التي ستوصل فكرنا لهم، فنحن بحاجة إلى أن نرسم لهم أبعادنا كي يفهمونا وهنا يصبح الموضوع أبعد وأصعب بكثير من أن نحضر بعض خطابات وأدلة إعجاز علمي ونبوي لنخبرهم بها أو نقرأها لهم

إذاً قبل أن نقف أمامهم ونقول كلمتنا علينا أن نقدم لهم صورة ثري دي لفكرنا القادم من ألف وأربعمائة عام، هم يؤمنون بالمحسوس، بالصوت والصورة، وهذه هي الأبعاد التي عليهم أن يروها كي يفهموا حقيقة الأمر لدينا

ففي قضية الفيلم الهولندي "فتنة" .. هناك إشكالية خطيرة اسمها "سوء الترجمة" .. لأن الكلمة القرآنية تترجم في كلمة مشابهة وليست مطابقة .. وهنا هم على حق في خوفهم منا عندما يكون تفسير كلمة "جاهدوا" في الانجليزية مثلا حارِبوا أو اقتلوا ...الخ، بيد أن مفهوم الجهاد ينتثر في صفحات بل وكتب

نحن نعلم أن الكلمة القرآنية الواحدة تحمل مضامين ومعاني بل قد تكون مدرسة في حد ذاتها، هم لا يملكون هذا النمط الفريد من التطور اللغوي، فهل هم يفهمون ما نقول بناءً على هذه الجزئية؟

القضية التي بتنا جميعاً تائهين عنها هي أن الموضوع ليس محمد وعيسى وموسى، إنه موضوع الله سبحانه وتعالى، الحرب هنا ليست بالرسل والأنبياء، هي عن الله ..

هم يريدون أن يؤكدوا أن لا محمد فعيسى آخر نبي!! وأنه، أي عيسى، نصف بشر ونصف إله .. وهنا يقولون أن إلهنا أكذوبة ..

وهنا على متحدثنا أن يفهم ضرورة أن يبدء خطابه بالله وليس بمحمد



وعلى هامش الكلام: علينا أن نفهم أن علماء الأمة يريدون أن يقنعوا العالَم بأن رسالتنا "عالَمية" في حين أنهم يتعاملون مع هذه الرسالة "محلياً" وحتى محلياً هي لم تعد تخدم أفرادها كما تؤكد هذه الرسالة، وهذه إشكالية سببها العلماء القائمين على هذه الرسالة بالطبع. ويظل الإسلام الرسالة العالَمية التي تحتوي كل البشر بطبيعة الحال

بالعودة إلى حيثيات الحوار مع الآخر: عندما أريد اقناعهم برب خالق .. علينا الابتعاد عن كل شواهدنا من القرآن والسنة ولنبعد الحوارعن لغة الدين، أي نتحدث بلغتهم، كي يفهموا فيقتنعوا، وهذا منهج الله سبحانه في الأصل في إرسال الرسل، كل نبي قادم من قومه ويتحدث بلغتهم لنفس المفهوم الذي أدور حوله هنا

أول خطوة تكون هي أن ترسم في ذهنك قاعدة عريضة مشتركة بينك وبينهم ثم تصعد بها درجة درجة أيضاً من مناطق مشتركة، فمثلاً

كونكما، أنت وهو، تعيشان على كوكب واحد وتنتميان إلى نفس فصيلة المخلوقات بكل مقوماتها ..

كي تعطيه مفهوم الرب اجعله يتأمل بتركيز "الهارموني" التي تعمل بها وحدة كل مخلوق ثم "الهارموني" الأكبر بين المخلوقات ببعضها وبينها وبين كل شئ محيط بها، واعتمد دائماً صيغة سؤال، اسأله أو اسأل نفسك أمامه، ففي كل الأحوال هو يسأل نفسه أيضاً، وهو وإن بدى عليه الرفض فقد تولدت عنده بعض القناعات التي ترن بين وقت وآخر بداخله حتى لو لم يفصح عن ذلك

ولو هو قام يسألك سؤال يخرج عن سياق التدرج الذي تقوده أنت كأن يسألك : ومن خلق الرب؟ تستطيع أن تنبهه إلى أن العلم يأتي من ألف باء ومن الصعب على طفل في روضة أن يتعلم المعادلات البلاغية لصياغة أبيات شعرية لشكسبير خاصة عندما يكون هذا الطفل في مثل عمره الذي تجاوز العشرين مثلاً، وهنا تقولها وأنت تشير إليه ..

وللمرحلة التالية .. الأنبياء .. هنا نستطيع أن نحكي له قصة عادية بل وخرقاء أيضاً لكن مليئة بصور اعتاد هو أن يراها كي يحصل بداخله الربط المنطقي حتى وهو يرفض الفكرة

لدي أنا حكاية بسيطة حول ذلك

فلنقل مثلا

يملك "مايك" باصاً كبيراً مجهزاً بكل الأسس والرفاهيات فيه .. يعلن عن قيام رحلة طويلة ويضع هو برامجها مــن و إلـــى ..

يأتي عدداً كبيراً من الناس .. ويبدء الباص رحلته

الكل سعيد فكل شئ متوفر في هذه الرحلة بل وما هو أكثر من المتوقَّع

يعلن "مايك" أنه هو من سيقود الباص وأنه ولليوم الأول وضع مرشداً للرحلة اسمه "مارسيل" وللساعة الثانية "ستيفنز" وللساعة الثالثة "وودي" وهكذا .. ومع كل واحد منهم كل التوجيهات والاستفسارات، وأنه يستطيع سماعهم ورؤيتهم خلال الرحلة بالتأكيد

تقوم الرحلة

هل يمكن أن يقود هذا الباص في ذات الوقت أكثر من سائق؟؟
هل لي أن أناقش وجود "مارسيل" أو "ستيفنز" بأي شكل أو طريقة؟
هل تصدق أن هناك شيئاً اسمه "مايك" ؟؟؟

وبمفهوم الآخر سأشرح .. "مايك" هو رب هذا الكون بمن فيه – ولله المثل الأعلى- ، "مارسيل" "ستيفنز" "و "وودي" هم أنبياء .. الطريق أو الرحلة هي درب الحياة من بدايته حتى نهايته .. كل البشر هم الركاب .. والكوكب بكل ما فيه هو الباص

وطبعاً تختلف درجة بساطة وتعقيد هذا المنهج، إن صحت تسميتُه منهجاً، حسب الشخص أو الأشخاص المتحَدَّثْ إليهم وأيضاً فلهذا المثال أشباه كُثُر كل قدر خياله

في موضوعي هل الله خَيِّر .. هل الله موجود كتبتُ قصتين رائعتين حول هذا المفهوم، مفهوم التحدث بالمحسوس وليس بالمسموع المقروء وأيضاً ليس باستخدام القيم النظرية، والهدية التي أحب أن اقدمها هنا هو هذا الموضوع الأكثر من متميز الذي كتبه جاري مصطفى محمد في مدونته، وتستطيعون زيارته وقراءة المقال هناك، لكني لإكمال مجموعة أفكاري الكريمة سأضع المقال هنا وكما ورد هناك

عن الإسلام

لو أحضرنا فرداً

خالي البال

غير منحاز لأي فكر

و عرضنا عليه فكرة الموت

سينتهي الي أمرين

أولهما .. الاستخدام الأمثل للحياة

ثانيهما .. الرغبة في البحث عن سبب للقرار القهري بالابادة

*

هذا الفرد

الخالي البال .. غير المنحاز

سينتهي بفكره لوجود ثمة صانع

ثمة خالق لكل ما حوله

*

هذا الفرد .. من النقطة التي انتهي اليها

سيبدأ في البحث عن دين

*

هذا الفرد الذي اختار عقله كدليل

و استعان بالخالق في بحثه

لابد

سيصل للاسلام

لييييه؟

*

المعلومات في كل مكان

و لن يخفي عليه شئ

سيري أن المسيحية تؤمن بالنبي عيسي

و أن اليهودية تؤمن بالنبي موسي

و أن البوذية تؤمن ببوذا كنبي

و سيجد أن الاسلام

يؤمن بعيسي و موسي

و يردد أن بوذا قد يكون نبي ولكن قومه حرفوا ما أنزل عليه فألهوه

و يؤمن الاسلام كذلك بمائة أربعة و عشرين ألف نبي و رسول

هل سيجد دين آخر يؤمن بكل هؤلاء؟

*

هذا الفرد

سيتخطي المعلومات المتناثرة في كل مكان

و سينقب في كتب التاريخ

عن أزمان مضت سجلها معاصريها

سيقرأ بعينه .. أن الزمن الذي ساد الاسلام فيه

ازدهرت فيه العلوم الطبيعية

و عم الناس سلام اذا ما قورن بما قبله فاز

*

هذا الفرد

سيفهم مع توسع اطلاعه

ان الاسلام ليس ما أنزل على النبي محمد

بل هو ما نزل به آدم

و مر على نوح و ابراهيم و موسي و من بينهم

حتي وصل الي النبي محمد

عليهم جميعا السلام و الصلاة

*

هذا الفرد

سيذهل من هذا الدين

الذي يحرضه على اعمار الأرض

و يضمن له ما بعد الموت مكافأة له

فمن سروره سيشيع بين الناس أمر هذا الدين

و بذلك يكون أتم الثلاث أهداف الكبار

*

هذا الفرد

سيكتشف ان الاسلام

في الواقع .. لا يقر جديدا

لا يقر الا الواقع

الاسلام خالي من الاختراعات

الاقرار الطبيعي أن الرب خلقنا

فبالتالي هو الهنا

و بالتالي نحن عباده

بس

*

لن يفوت هذا الفرد

ملاحظة أن الكتاب الاسلامي

القرآن

ثابت بشكل غريب

ألف و ربعمائة سنة و يزيد

و لم تتبدل فيه جملة

بل حرف

بل تشكيلة حرف

*

عندما يقرأ هذا الفرد

آية مثل "وما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون" .. و

يقرأ في أحد التفاسير

أن "يعبدون" معناها

يتعرفون فيحبون فيطيعون

سينبهر

*

سيدخل هذا الفرد

الي عالم كل نبي

لن يجد كل هذه الوفرة في المعلومات عن نبي

مثلما سيجد عن النبي محمد - صلي الله عليه و سلم

فمعروف أين دفن

و أقواله مدونة بالكامل و أنشأ لها علم للتمحيص

و أفعاله كلها مسجلة

و حياته بالتفصيل مكتوبة لدي العديد

و كل هذا يندر وجوده لباقي الأنبياء

و اذا وجد فتعوزه دقة

*

هذا الفرد

مع دخوله عالم الاحصائيات

سيقرأ أن الذين دخلوا في الاسلام

على عهد النبي

بسبب خلقه

أكثر من الذين دخلوا

بسبب معجزاته

*

الحقيقة سيفشل هذا الفرد

في الايمان بالاسلام بعقله

و لكن قلبه سيطير الي الايمان به طيرا

و سيتمني لو أن الناس كلهم يرون ما يراه

و سيحاول شرحه

و لكنه سيخفق

لأن الايمان كما قال النبي الخاتم محمد

ما وقر في القلب

و صدق عليه العمل

العالم الغربي اليوم بكل العلم والحياة المُتَكْلَجَة ( نسبة إلى تكنولوجيا ) التي يعيشوها إلا أنهم يتسمون بالسهولة والضحالة هذا لأن الإنسان بطبعه كلما التصق بالمادة كلما أصبحت مفاهيمه اتكاليه أبسط كما الطفل، حتى الطفل يصبح مع الوقت أفهم وأوعى كلما استخدم في عقله المنطق واللامحسوس

أذاً نحن أمام أطفال في هذا السياق نستطيع وبسهولة اقناعهم بما نريد، لكن علينا أن نملك الجرافيك الصحيح لذلك حيثُ سنجد، وخاصة في هذا الوقت، أن الخطابات أصبحت أصعب من ترجمة حجر رشيد، طالما وأننا نريد إيصال أنفسنا وتحسين الصورة المغلوطة، علينا استخدام الصور والحركات والإشارات كما الأطفال أو المجانين أو حتى البهلوانات، كله تمام طالما أننا نحصد النتيجة كما نريدها

ومن هذا المنطلَق فإن طفلاً في ابتدائي يستطيع أن يقتحم قلعة عقلية جسورة لعالم في الغرب ويقنعه بالإسلام كدين حق لكل البشرية

وحول هذا الموضوع أذكر موضوعي حول دعم فكرة السينما الإسلامية والأغنية الإسلامية، فهي السلاح أي طريقة استخدام الحواس للتأثير في الآخرين التي طالما أنها فعَّالة لدى الغرب فهي بالتأكيد ستنجح معنا ونحن أصحاب رسالة

No comments: