March 4, 2008

زبدة كلامي مش دنماركية

1

كان صوتُ المؤامرة لسنوات قريبة مسموعاً لكن خفي المصدر يعود ليخبو ثم يظهر هنا وهناك كالصدى، ولم يكن يعلم مصدر الصوت سوى القليل الضليعون في فن الأصوات وطبقاتها ومقاماتها.

كانت حادثة البرجين التوأم هي المايكروفون الذي به استطاع كل صاحب ديش أن يلتقط الصوت أينما كانت تسبح مركبته الفضائية، وقتها كان الصوت مازال مُمَوَّهاً ينساب في أودية عقولنا وثقافتنا ونجلس نحلل تركيبته لكن لم نفلح في النظر إلى الأمور من زوايا أخرى كالعادة

إحدى المقامات التي تستخدمها المؤامرة كي تصل لأدمغتنا هو مقام "نكريز" أو بوضوح أكثر الإعلام .. فكم وكم كنا نقول أنه سلاح هذا القرن فانتبهوا يا سادة، لكن الظاهر أن صوت المؤامرة مجلجلاً أكثر من أصواتنا .. أو أن الآذان صُمَّت ولم يعد يصلها سوى تردد النكريز هذا

هي الصورة التي تفتقت قريحة صاحبها أن يرسمها وينشرها في مجتمعه الدنماركي الصغير ثم مجتمعه الدولي الكبير فصفقوا له بحرارة .. تأتي هنا اعتراضات وسخط منا، من لم يعجبهم ما حدث، فوقفنا على حيْلْنا ومشينا في مظاهرات وقاطعنا المنتجات وغضبنا وفعلنا كل شئ إلا شيئاً واحداً .. إسكاتهم ومن تسول له نفسه .. ويقال أن المقاطعة الأولى أتت ثمارها .. لم أرى .. أرأى أحدكم تلك الثمار بأم العين؟

وتعود الكرة وتظهر اليوم أكثر من صورة .. لنعود نحن أيضاً لنفتح شبابيكنا الصغيرة نشوِّح ونلوِّح أن شُلَّت أيديكم، ثم نعود بعدها لنغلقها النوافذ

نحن كمن يعيش في بلاد الفيضان، لا يقاومها ويعلم أنها آتية، وعندما تأتي يبكي ويصرخ ويناشد، ثم يرحل الفيضان ثم يعود إلى بيته يبني فوق خرابها طوباً من ورق ملون نستورده من كل مكان غير بلادنا

تقوم أوروبا كلها لتجد أنها لعبة جميلة، فلا ضير من معاودة التجربة برسوم لشيخ ملتحي يحضن النساء يقال له محمد، ثم جيل جديد من اللعبة يقدم فيلماً سينمائياً قادماً من هولندا تباركه الحكومات الغربية ليقول للعالم أنه دين غوغائي ونبي جاهل إرهابي

وطبعاً نحن ننتظر حتى يتم عرض الفيلم، فإلى الآن لا حراك في الشارع المسلم، كما جرت العادة أن يغلي الماء بعد أن تشعَل النار تحته، نحن الآن في حالة اللانار، وحتى وقتذاك وبعد أن نُقاد إلى نار الغيظ والغضب نحن قابعون خلف الشبابيك ننتظر بأعلامنا وأكُفّنا وأصواتنا المبحوحة كي نفعل نفس الشئ .. ولا يبقى للعالم سوى أن يتفرج، وللقنوات الفضائية كافة أن تستعد لمزيد من التغطيات الإعلامية والإعلانات التجارية والحملات السياسية المناهضة للإسلام و إلى آخره من السيناريو الذي نعرفه جميعاً لكن ندعي الجهل

والمقاطعة .. هي أقسى رداً نرانا قادرين عليه، وهو رداً حاراً حقاً لكن كان ذلك حينما كان صلاح الدين رجل دولة حينما كان هناك دولة إسلامية تهابها كل الأمم، نعم كان هذا نهجك يا صلاح الدين أن تمتنع عن فتح أسواقك لهم وتمتنع عن شراء أسلحة أو أي من منتجاتهم، حيث هم كانوا في الدفة الهابطة للميزان وكنا حينئذ نسترخي على قمم العِزة يؤمُّنا رجال لم يكونوا يشاهدونا نذبَح على شاشات التلفزيون ليناموا بعدها ملء جفونهم

يقول د. علي أبو الحسن في برنامجه "من غَزة إلى عِزة" أن المنهجية في كل شئ هي سبب تحضر الغرب اليوم وأن انعدامها عندنا حصيلته النقيض، وأنا اؤيد هذه النظرية

السؤال هنا: لماذا قد يحترمنا الغرب؟ و
ما يمنعهم من التطاول على ديننا ونبينا؟ و
لماذا يجب أن يكون ردنا عاطفياً غير مدروساً؟

رأيتُ الصور التي رسموها .. ولستُ غاضبة منهم .. هم يتحركون من خلال خلفيتهم الثقافية والإعلامية حتى لو كان محركهم صهيوني .. لكن .. ما يغضبني حقاً هو السبب الحقيقي لوجود مادة دسمة بين أيديهم يستقون من خلالها المواد الخام التي يرموننا بها من خلال صورة أو مقال أو موقع نت أو فيلم أو ما قد يكن

2

الصمت عندما يتكلم الآخرين ليس ضعفاً .. هو إنصات لكل التفاصيل التي تحتاج إلى رد .. وعند الرد يبدء الكلام

والكلام هنا يكون هادئاً لأنه أتى بعد فترة استرخاء ما يعني مزيداً من التركيز .. وعندما يحين دور الكلام بعد تجميع شتات النفس وملأ الدماغ بمزيد من الأكسجين .. يكون هنا الرد نقياً خالياً من ثاني أمريك الصهيون وخالياً من تسارع النبض وزغللة العين وارتجاف الجسد

يأتي الكلام هنا مِن فِيْهِ حكيم وليس جاهل .. هذا وأنا لا أدعي الحكمة، ولستُ بجاهلة أيضا

هل يجب عندما أبدء في الكلام أن يكون ردي بصوت عالي وشتائم وتفجير سيارات الجيران؟؟ شكراً أيها السادة هنا أنتم أثبتم الغوغائية التي يرموننا بها

الدنمارك مثل باقي أوروبا وروسيا وأمريكا .. الخ، بلاد تعمل في صمت .. تجلس في هدوء خلف ستائر سوداء على طاولة تنيرها شموع صغيرة .. يهمسون والسيجار في يد والقلم في اليد الأخرى .. وبعد ساعة أو اثنتين يخرج كل واحد منهم وفي حقيبته جدول أعمال

تقول الأخبار المبعثرة هنا وهناك أن سوق الدنمارك متضرر بنسبة كذا والشركات هناك تخسر بنسبة كذا ..

وأمريكا التي يموت أبنائها من البطالة والفقر والانحراف والانتحار تطمئن العالم بأن اقتصادها ينتعش وانها لا تزال على درب القضاء على الإرهاب، هذا بعد زيارة ليست بالطويلة لدول مجلس التعاون ثم بلاد الشام ثم شمال أفريقيا

معنى هذه الأحرف التي كتبتُها في الفقرة السابقة أن السيناريو المكتوب في دفاترهم السرية يقول أنه في الموعد الفلاني ستقوم الدولة الفلانية بنشر الصور الفلانية .. سيحصل صخباً بين المسلمين .. في هذا التوقيت نكون نحن أتممنا مجزرة في فلسطين والعراق .. بعد هذا .. نشتت تركيز العالم كله ثم نكون قد جمعنا المبلغ الفلاني كي نغطي خسائر الدانمارك وجاراتها إثر المقاطعة في دول الشرق الأوسط ونقسم باقي الميزانية على باقي متطلبات قضيتنا

قال لي صديقي مرة .. اسرائيل تعمل بجهد لقضية هي تؤمن بها وتحترمها، وهنا لا حوار حول ماهية القضية ومدى عدلها من ظلمها، إذاً فنحن أجدر بنا التعلم منها كيف تكون القضية مسيرة حياة ومسار جهد

هو سيناريو ولا شئ يأتي جزافاً .. جزاف الأشياء هو احترافنا فقط

ثم

هذه الصور التي رسموها ..
هل هذا الوجه هو حقيقة هو وجه سيدنا محمد؟ لا .. هل كان وقتها هناك قنابل؟ لا ..

هو شخصية كاريكاتورية لشخص لا وجود له وإن أسموه محمد .. وكيف يؤذى من كان اسمه محمدا ووصفه محمدا ووعده من الله محمدا

والمقاطعة ؟

أتريدون المقاطعة؟

هل تضمنون بها النصر المبين؟ هل تأتي أكُلُها؟

هل فكرتم في مقاطعة أمور أخرى؟؟

هل تعلمون كم هو ربح ستاربكس، مارلبورو، دنهيل، وباقي ماركات الملابس والأطعمة، والقطن المصري الذي يصدر أفضله ثم يعاد تصديره ملابس ماركات غالية، ...الخ؟ سنوياً من منطقة  الشرق الأوسط وحدها؟ هل تعلمون كم هي المليارات التي تستفيد بها المنظمة الصهيونية من خلال البنوك التي تملكها رسماً وإسماً في كل أنحاء العالم؟

يقول القارئ "ماذا تريدين .. نسكت ونبينا يُتَطَاوَلُ عليه؟" ..

أنا أقول .. فتح عينك تاكل ملبن

إما أن يكون الرد عليهم مدروساً ويجتمع عليه كل مسلم أو أنه لن يشفي لنا غليلا

بل ويكون الرد واحداً هذا يعني أن يتفق المليار مسلم على رد مماثل .. وليكونوا أعدائنا لكني أدعوكم للتعلم منهم في فن العمل الجماعي للوصول للهدف المنشود دون ثغرات أو طابور مفركش مفشكل

إن كان هناك ما تضيق به النفس فهو الطريقة التي نتصرف بها حيال الأمور .. دائماً نتبنى ردود الفعل ولا نفهم ما يكون عندما يحين دور "الفعل"، أشتاق إلى رؤيتنا نقوم بأسبقية ومبادرة ما كي نفرض على العالم أن يحترمنا ويخاف أن يجر قلمه ولو بحرف لا يرضينا، تماماً كما يقيم العالَم ألف حساب قبل أن يتحدث أحدهم عن الهولوكوست بما لا يرضي الاسرائيليين

هذا يعني أن نفتح باباً نهضوياً جديداً يقوم بالواقع ويرجع بالآفل في كل مجالات الحياة والعمل

والقائمة وإن تبدو طويلة إلا أنه لكل منها نشطائها

في التجارة
في التعليم
في الفن
في الإعلام
.... الخ

الرد لن يكون الآن حتى لو أردنا .. فضريبة النوم الطويل تفرض علينا أن نأكل الطبق بارداً بعد أن نكون أعدنا تكوين الصورة مرة أخرى تعيد بها كل الدول النظرة إلى أخرى نستحقها

إن كنتُ متضايقة فأنا فعلاً متضايقة من أمور كثيرة .. أزور مواقع غير عربية كثيرة جداً والحملة تكبر وتكبر ضد الإسلام بل أن تفاصيل داخل بلادنا تُكتَب حولها مقالات ساخرة

ما يضايقني أكثر أننا مازلنا نذرف الدموع ونجرح حناجرنا من كثرة الصراخ لكننا لا نفعل شيئاً

لن تستطيع إسكات أصوات الكرة الأرضية لكنك تستطيع تغيير قناعاتها عنك ومن ثم ستكون أصواتهم في الجانب الذي تحب وسيُطرِبُكَ ما تسمع

ما يحصل الآن ليس إلا بداية السيناريو الجديد للحرب العالمية ضد كل مسلم

اليوم مضطرين لمقاطعة الدانمارك فقط وبعضنا يقاطع أمريكا وشوية بريطانيا .. لكن ما العمل والحملة تزيد وستصبح كل أوروبا ضدنا وكلٌ يسفك فينا الغالي والعالي .. حنلاحق على معارضة مين ولاّ مين ؟ مش حنلاقي نلبس ولا ناكل ولا نسوق سيارات ولا موبايلات ولا مفروشات ولا حتى بيوت

لأننا على مدار العقود الماضية توقفنا عن الصناعة والزراعة والإنتاج على النطاقين المحلي والعربي وأصبحنا نعيش على الاستيراد .. نستورد كل شئ .. وها أنتم ترون الدول التي تريد الاستقلال في انتاجها .. تصبح فقيرة و .. إرهابية وتصبح في غد محتلَّة مهتوكة الأرض والعرض

حتى إذا ما زعلوا منا جعنا واتعرينا وخربت بيوتنا

اعطيك مثالاً بسيطاً .. في السعودية ومن عشرة سنوات مرَّت فقط كان لديها اكتفاء ذاتي يغطيها لمئات السنوات للمستقبل من القمح، في بقعة يمرح فيها الخيل ما يرد، في شمال المملكة تقبع مزارع القمح التي تُسمِن وتغني من جوع، اليوم هذه المساحة الخيالية هي والأرض سواء، بالمقابل ترى القمح الأمريكي الفاخر متلقَّح في الأسواق بل وأحياناً ترى سعر القمح يحرق جيوب الناس


وفي مصر تختفي الأراضي الزراعية لتقوم بدلاً عنها بنايات شاهقة أو منتجعات سياحية، لماذا يا ترى؟ كي يموت الأخضر الذي يكفينا ذل السؤال، وسؤال غير الله مذلة بالتأكيد، ويحل محله ملايين الدولارات لتذهب في بطون من يعلمون تماماً أنهم أكلوا لقمة كانت هنيئة لصحاب حقها وأراها جمرة حارقة في أجوافهم، في السعودية تُهْدَم بيوت الكِرام وأبيهم النبي الكريم كي يُبنى فوقها شاهقات الطول يملكها سمو الأمراء

في لبنان يقال أن كل شئ استثمار لغير اللبنانيين ؟؟؟؟

ويا ترى لماذا هي هكذا دبي؟ أتعلم ما يقول الممثل ريتشارد جيير عندما زار دبي لأول مرة؟ "رأيتها قطعة من لاس فيغاس" ..

هل نعلم ماذا يعني هذا؟ أننا بدون أية حماية من أي نوع وهنا لا يجد الغرب سبباً لعدم التطاول، فمن سيرد عليهم الصاع صاعين أو زي الغلابة صاع واحد مقابله .. لا أحد

المشكلة هي أننا محاصرون من كل الاتجاهات سواءً علمنا أو لم نعلم، بس أكيد نحن نعلم من سلَّمنا للعدو وباعنا له ببلاش، فأقل الأثمان هو على الأقل مقايضة بثمن

رسوم الدانمارك ومن قبلها رواية "آيات شيطانية" و "وليمة لأعشاب البحر" وبين هذا وذاك مشكلة محجبات فرنسا وتونس وتركيا ثم قصص من هنا ومن هناك ليست إلا تشويشات وملهيات لأمور أكبر

أنا قاطعتُ مرة واحدة وما زلت .. ستار باكس .. المكان الذي أعلمُ جيداً أن مع كل رشفة قهوة فيه يموت طفل في فلسطين .. فقط برشفة قهوة .. لكن مع الدانمارك اختلفت حساباتي .. لأن السيناريو مختلف تماماً والغول هنا يلعب لعبة مختلفة

أعزائي لا تقاطعوا الدانمارك .. بل أقول لكم .. أفعلوا مثلما تفعل الحكومة الأمريكية .. هي تضع في كل ضريبة من ضرائبها نسبة تبرع لإسرائيل، بل وأكثر من ذلك على كل الوزارات أن تقدم نشاطات وخدمات مجانية لخدمة القضية الإسرائيلية

كلوا زبدة لورباك حتى الغثاء ومع ذلك نتعلم فن العمل الجماعي ويقدم كل فرد مسلم وبشكل دائم شيئاً ولو بسيطاً يخدم فيها القضية الفلسيطينة بل والقضية الإسلامية برمتها؟؟؟

3

سيدي وحبيبي محمد
لو عرفوكَ ما جهلوك .. ولو تعلموك لتعلموا منك
أمتكَ يا محمد .. لم يعرفوا .. ولم يتعلموا بعد
شهِدَ الله أنَّكَ بلًّغت .. وليشهد الله أننا بُلِّغنا لكننا بُغِتنا وتهنا وغُيِّبنا

No comments: