January 24, 2012

يُروى العطشان بالنص المليان .. سنة ثورة يا جميل





قبل الثورة، كانت مصر كأن كل من فيها يلبس طاقية الاخفاء دون أن يعلم، لا يرى بعضهم بعضاً إلا من خلال تعويذات يوزعها عليهم عفريت نجس طوال عقود كي يحجب سحرهم الحلال عن أعين الخلق، ولم يكن يرى أحدهم الآخر حتى، ومن يُرى منهم خارج مصر يكون "معمولّه عَمَل" لا يمثل المصري الحقيقي بأي شكل.

أنا ممن لم يكونوا يرون هذا السحر الحلال بل كنتُ أرى فقط عينة المسحورين المتآكلين المتهالكين اللي معموللهم عَمَل، وهذا ما جعلني أميل إلى الابتعاد بنفسي عن هذه الأشياء الغريبة التي لم أكن أفهمها عليهم، وهنا، لم أكن سوى شخص تملأ خانة الوطن في جواز سفره كلمة جمهورية مصر العربية

هذه الثورة منذ بدايتها تخوض في داخلي تحفر وتنقب وتطبع في طريقها إلى قلبي ما يحلو لكم أن تتخيلوا من حُلَلٍ وجواهر وقُبُلات. لم تعد تضايقني الأغاني الوطنية والشعارات الوطنية كما السابق، لم أكن أفهمها، لم أكن أشعرها، بل هي اليوم تُبكيني وتحرك كل ما فيني

منذ عام كان لي في خانة الباسبور وطن اسمه مصر، وبعد الثورة، أصبح بيني وبين مصر غزل و مراودة عن النفس وتمنع وغمز وهمس 

قد يُضاف إلى مصر (مواطن جديد)، مش هتفرق، لكن قد أصبح في قلبي وطن جديد، ودي أكيد تفرق

هذه العاطفة التي تتلمس طريقها كالطفل الصغير إلى عالم الكِبار تمسكت يداً بيد مع هذ الوطن، فأنا اليوم أصبحتُ أرى مصر، وكل إنسان حطم السلاسل ومشى على دربه الصعب تزيل آلامه دواعِمَ الناس من حوله، رؤيا اليقين بعد أن كانت بالنسبة لي قصة من 
قصص جدي الجاحظ أو الأصفهاني، 


وهذا هو النصف الملئ من كأسي في هذه الحكاية

 أهدتني ثورة 25 يناير مصراً وطناً .. 

وقد يكون هذا سبب تفاؤلي الدائم رغم التخبط والتقسم والمشاكل الدائمة، فأنا مواطن وليد يرى أمه لأول مرة، وأرى في بعض الزوايا الصغيرة داخل كل هذه العجقة الضاجّة فسحات مبتسمة هادئة، وكأولياء الله الصالحين، تخبر الناس بما لذ وأطرب من هدايا القدر الجميل الغير بعيد الذي يستجيب، حتماً، لطلابه من شباب الميدان
ورغم كل الرزايا فإن هذه المُضغة بداخلي أكبر من كل شيئ. تختنق فيها زاوية الألم، حُبْلى بأمل تعدى كل شيئ

قبل هذا العام كنتُ أقرب إلى مطار القاهرة الدولي وقد جبتُ شوارع القاهرة كالسواح مرة في إحدى السنوات البعيدة، حيث كان الجميع يرتدي طاقية الاخفا، وحين كنتُ لا أفهمهم ولا أشعرهم أيضاً.  اليوم أنا أبْعَد عنها لكنها أقرب إلى قلبي بِطَلَّتها التي لم يسبق لي أن رأيتها عليها من قبل. هذا وأنا مفهوم الوطن عندي اليوم هو العمل المتواصل وليس الإنشاد الوطني المتواصل، لانه، ما فيش وقت والشغل كتير، وأدعوا الله أن يكتبلي ويقدرني ويستخدمني

هم هناك محظوظين فهم قادرين على أن يقدموا كل شئ يستطيعونه في هذه الظروف، وأنا في القطب الآخر من المعمورة
لا أملك سوى أن أقدم أفكاري وأحلامي لبعض الأصدقاء الذي أعرف والذين لا أعرف على تويتر وفيس بوك وغيرها
وكما أحب أن أقول هو "جهد المُقِل" .. 


الطاقة مشحونة على آخرها، وأنا جاهزة ومشمرة أكمامي، و.. أنظرُ إلى النص المليان من الكأس



No comments: