January 6, 2012

وما أدراكَ ما العشاء الأخير .. عن هيئات الأمر والنهي



* المُقَبِّلات *

كثيراً ما تصيبنا حمى النكتة وننجرف، أحياناً، راغبين أو مُرغَمين، في سرد بعضها عندما ينتشر خبر ما جاد لكنه هزلي إلى الحد الذي يصيب كل الناس، وليس أنا فقط، بحالة هستيرية من السخرية، حتى أنه لَيَخرُج أحدنا عن وقار النص ويرى نفسه يرقص مع الراقصين على نغمات الهذيان الذي يصيبنا جماعة، وكأن مادة مخدرة رُشَّتْ في الهواء.

منذ عدة أيام قرأت خبراً طائراً عن مجموعة أعلَنَتْ إنشائها هيئةً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر في مصر على غِرار تلك التي تتمركز في السعودية منذ عقود، ثم بعد يوم أقرأ أخباراً تتوالى ثم صوراً وكليبات مصورة عن غرابة المواقف وأخبارها التي يستقبلها الناس في الشارع المصري ونستقبلها نحن على صفوف تويتر وأروقة فيس بوك، نضحك، ونغتاظ، ونضرب كفاً بكف، ثم يكتب بعضنا أسطراً ومقالات ... وهكذا. 

تتزامن أخبار، بل "طرائف"، هيئة مصر مع "تجاوزات" هيئة السعودية التي يسُرُ الأولى تتبع خطاها. ويزيد زخم الأخبار وكمية الغيظ وسخونة خطوط النكت والتعليقات على تويتر بل وفي كل مكان ثم الصور الكاريكاتيرية، بل وهناك من يدير حساب تويتر ساخر للهيئة السعودية وله معجبيه بالطبع، هذا غير هاش تاج خاص بالهيئة النشط جداً.

هم جادون بالفعل لكن، ما ردة فعل أخوتنا "الاُسُود" -أعضاء الهيئة- عند رؤية هذه الصور والتعليقات والنكت!! طبعاً، يسهل على أي بالِغ عاقِل رشيد أن يتخيل. نتشابه معهم في "الغيظ" وتختلف درجاته وتوجهه، ونختلف عنهم بكوننا نرى الصورة من مكان أعلى.

نفَتْ المجموعة السلفية صحة إنشائها لهيئة أمر بالمعروف في مصر، وإن كانت تصريحاتهم من خلال إعلامهم تنشر نفس الفكر أو يقترب كثيراً منه، وفي كل الأحوال فقد تكونت الصورة وأصبح الناس بين مذعور ومغتاظ. 

يحلو لي سرد بعض التعليقات الساخرة على تويتر












* الطبق الرئيسي *

تغيير الناس للأفضل له أنواعه، منها ما يعمل جيداً ومنها نص ونص ومنها ما لا يعمل إلا ظاهرياً وهذا الأخير في عداد المفقودين أي أنه لا يُعد تغييراً .. والتغيير الظاهري هو الشكل الأهم الذي تعتمد عليه مراكز الهيئة ابتداء من مستوياتها العليا وصولاً إلى المبتدئين في مصر كمثال. فما هو هذا الأفضل، وبالنسبة لمن هو أو ليس هو كذلك؟

تتمنهج جماعات الهيئة على أصعب أنواع هذا التغيير، التغيير الظاهري .. والذي يستدعي تجييش أعداداً وعتاداً تنتشر في الشوارع والمناطق العامة ...الخ.

يكون الشكل اليومي كالتالي: أميراً موسوماً بمشلحه أو ثوبه "السُني" وتعرفه بمساعديه ورجل شرطة معه وبذقنه وزبيبته و "عصاه" يمشي بين الناس في الأماكن العامة ويحدثك عن بُعد بصوت أجش الكتروني يأمرك بالمطلوب عليك فعله أو ينهاك عن فعله، وقد تكون غير مهتم أو حتى غير مسلم، فلن تسلم بعدها إن عارضت أو أبديتَ رأيك. اعتاد الناس على هذه الصورة اليومية، وهذا الاعتياد لا يعني بأي حال القبول. هذه الصورة المكررة جداً تقول للناس أنتم أحراراً بما سمحنا لكم وبما تتفقون به معنا أو لكم الشرطي والعصا. وكثيرة هي التجاوزات التي قامت بها الهيئة في حق الكثيرين من عموم الناس.

الإنسان العادي يعرف ما لا يعرفه رجل الهيئة عن كون الأول يعيش داخل حياة متغيرة متجددة متأثر بكل التفاصيل وعن أن الثاني يعيش خارج هذه الحياة ولا يرى من هذا الإنسان إلا المخلوق الذي عليه أن ينفذ تعليمات وأوامر السنة، السلف، ف القرآن الكريم.

الهيئة، السعودية، قديمة العهد وتدير أمورها اليوم بنفس طريقتها عندما بدأت بنفس طريقة السلف الصالح منذ ألف وأربعمائة عام ونيف.

نتحدث الآن، عن بُعد، عن "السلفي" كإسم حركي حديث إن صح التعبير وهو ابن المدرسة "الوهابية"، والتي تفتق عنها فكرة تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر. تريد أن تسألهم جميعهم: ما هو المعروف؟ وما هو المنكر؟ وإن كان السؤال في سطر، إلا أنه من الخرافة أن تستطيع حصر الإجابة في كتاب.

هذه العصا التي يحملها رجل الهيئة هي ذاتها العصا التي يتحدث بها السلفي الوهابي مع أي آخر بعيد عن بوتقته. فالاسلام الذي يراه هو الدين الذي لن ينجو الكافر به أو المُبْتعِد عنه من المسلمين إلا بهم. 

هذه العصا لها شكل واحد، قطعة طويلة قاسية يمكن النيل بها من أي طرف مضاد –وقد لا يكون طرف مناقض، وبينهما فرق- أضربه بها لأسكته كي أتحدث أنا وليس لأتحدث معه، وقد أحاول أن أسحبه معي حيث أقف، لكن يغلب على الموقف أنني أريد ضربه وهزيمته وإثبات أحقية ما أقول وليس أولوية إحقاق الحق الذي يستدعي بالضرورة تأمل الصوت الآخر باستضافة صوتي كي تكتمل صورة هذا الحق. هذا النوع من الضرب الجسدي أو الكلامي، وكلاهما يحدث فعلياً، هو شكل حميد من أشكال القتل الذي لا يؤلِم فاعله ولا يؤذي ضميره.



يقول أبو حنيفة: أنا مع من يختلف معي، كمثل رجل ضاعت ناقته في الصحراء، فهو يريد الناقة فلا فرق عنده: هل هو سيجدها أم أحد آخر سيجدها.

نعم هو قتل.


 هذا النوع من القتل ذكرني بكوميديا سينمائية سوداء ساخرة تدور حول نفس الفكرة، نعم هي ذات الفكرة.
العشاء الأخير ..




نؤمن أنا وأنت وبعض الأصدقاء بعدد من الأفكار وبطرق في الحياة ومشارب في السياسة بأنها الأفضل والأكثر عدلاً، ولا نقبل أن يناقشنا أحداً في خلاف ذلك. نقوم بدعوة شخص ما كل يوم على العشاء، شخص لا نعرفه. نبدء معه حواراً منبعه أفكارنا، وعندما يتفق أن هذا الشخص، سئ الحظ، لا يتفق مع جميع أو حتى بعض هذا السيل من كل شئ نضع له سماً في نبيذه ونظل نشاهده بدمٍ بارد حتى يموت. ندفنه في الحديقة الخلفية حيث ندفن كل أحد وشئ يضايقنا ولا يتفق مع أفكارنا. وهذا وقد قمنا بدفن الشرطي الذي شك بأمرنا في إحدى المرات!

لم نفهم شيئاً من تنويع الأطعمة على طاولة الطعام، وتنوع أشكالنا وأعراقنا نحن أصدقاء العقل الواحد، و كأننا الذباب لا يرى إلا لون واحد وهذه هي الحياة إذاً. فإما أن تفكر مثلي وتصبح صديقي أو أن .. تموت.


وبالنظر إلى الوجه الآخر إلى مرآة هذه القصة، حياتنا في هذا الجانب، فإن هذا النبيذ المُعَتَّق (مبادئنا ومعتقداتنا) قد سممه آخرين يشربون نبيذهم الخاص بهم، أيضاً. فحينما تخالفني أضع لك سماً، أو أضربك بعصا، لتموت، فقتل أفكارك يطمئن أفكاري بتفردها وأبديتها. وهذا القتل، وبشكل جهجهوني، يثبت أحقية فكرتي، حيث لا طريق آخر إلى ذلك.



لمثل هؤلاء المضيفين، يجب أن يكون الضيف غير اعتيادي، صادق حيادي ذكي مثقف محترف في لغة البشر الجسدية والنفسية. وفي غفلة من جهل، يضع في نبيذهم سمهم، ويموتون موتة مهترئة. كما فعل آخر ضيف في هذه البارودي السوداء الساخرة.


الناس لا ترفض مجموعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفكرة مجردة في ذاتها، لكنها ترفض شكلية وجودها بينهم.
والكيفية التي يتعاملون بها مع الناس وأمورهم وقضاياهم، بعض هذه الأمور:


-          تصلبها في حقبة زمنية بدأت معهم منذ السلف الصالح ، وتوقفت عنده، والذي لم يكن لديه مشاكلهم ولا أدوات الحياة التي يعيشون بها اليوم. تبقى شكلية التشريعات هناك في أبعاد ذاك الزمان، إلا عندما يأمر الحاكم فتتغير أمور كثيرة منها التصوير كمثال.

-          تصلب الفكرة حول الفعل المجرد وليس أبعاده.

-          منهجية "تسميع" النص قولاً وفعلاً على الناس مما أفقدهم فقه "الحوار". فهو ، أي الحوار، بالنسبة للهيئة وأتباعها شخصان يتحدثان في موضوع يغلب على أحدهما أنه في مكانة سلطوية أعلى، على الآخر السمع والاستماع والسكوت.  
  
بينما الحوار فعلياً هو "الفكرة الواحدة يتناقش حولها شخصين أو أكثر لتحليلها وتوضيحها وصولاً إلى منطقها الأقرب والأصوب إلى المنطق الفكري وإلى الفطرة" وهذا يستدعي بالضرورة أن يكون هذين الشخصين على الأقل مختلفين في الرأي حول هذه الفكرة. وهذا الفقه غير مفهوم بل غير موجود في كيان "الهيئة".

       فمثلاً عندك نقاش السلفي الوهابي مع ملحد، ينتهي بسب وشتيمة ولعن الملحد. بيد أن المنطق يستدعي السماع له لفهم سبب وأبعاد تفكيره بتجرد عن العاطفة والقناعات الشخصية، ثم تفتيح ذهنه على شبابيك كانت مغلقة داخل عقله.


وما يحصل في مثل هذا النوع من النقاش، أنك تحدثت، وفي الغالب بصوت عالي ملئ بسرد النصوص، وتحدثت أكثر منه، وتركته هكذا دون أن تكسبه لطرفك، بل تركته وهو يحزم حقائبه لمنطقة أبعد عن الله. إن اكتسابه في طرفك مهم جداً طالما أنك تملك القناعة الأوضح والأكثر صدقاً. وهذا الموقف عينة عن ضيق الأفق والخوف.

-       الإيمان ب "عالمية الإسلام" دون تأمين وصول هذه العالمية إلى العالمين.

فما يبدو هو رغبة الوهابيين لأخذ العالمين إلى عالم صغير ملئ ببعض التفاصيل والأوامر والنواهي. وكأن الإسلام هو مكان ما في واحة صغيرة وبيوت شَعر يتحتم على ساكنيها والقادمين إليها من "العالَمين" سلوك معين وملبس معين وشكل واحد يناسب العرف السائد والمناخ الطبيعي والإنساني، أو هو خارج عن الملة.

-       تطويع النص القرآني تحت المفهوم الشخصي، وليس فهم النص القرآني ومدى معالجته للنفس البشرية وأحوالها، وهذا ما يعطي للإسلام عالميته حقيقة.
فالإنسان مخلوق واحد على مضارب كل مكان وزمان، وليس هو المخلوق الذي يعيش في نفس الزمان والمكان.
وكل أهوائه وتقلبات حياته هي علم الله الذي سجله لنا في القرآن الكريم.

-       تطويع الحديث لتثبيت المتغير من حياة الناس، وتوجيهه في اتجاه قدسي يتساوى به مع القرآن ثم ترسيخه كمُسلَّمات على الناس اتباعها دون مسائلة أو تشكيك. وسيكتشف الناس لاحقاً أن الكثير من هذه الأحاديث
هي "ضعيفة" وحتى "موضوعة" السند لكنها تخدم تسجيد العقل الإنساني تجاه قِبْلة السمع والطاعة بدون 
مناظرة أو سِجال.


- أنت لستَ أحداً ولا يحق لك حتى في تقدير وتقييم شؤونك الشخصية، عليك دائماً الرجوع
إلى "رجل العِلم" "الشيخ" و/أو "المفتي". 
فنحن هنا لم نختلف أبداً عن رجال الكنيسة وكهنوت الكنيس، ورغم نفي السلفيين ورفضهم لمثل هذه 
المقارنة، فإنهم يمارسون ذلك على الناس بشكل جاهرٍ أرْعَنْ.
ولو حصل مثلاً أن تحاور أحد "رجال العِلم" مع آخر مفكر له باعه الطويل وسنينه الأطول في البحث
والانكباب الأوسع، إلا أنك تجد الأول يستاء ويطعن في قول الثاني لآنه ليس
 رجل "عِلْم شرعي" بمرجعية "رسمية"!! أوليسَ هذا كهنوت؟!


خطاب العِلم والتفكر والبحث والسياحة في الأرض كان خطاب الله سبحانه لبني الإنسان قاطبة، ولم يكُ هناك
ولو آية واحدة تخوض في تفضيل "فئة" من الناس وتوصيتها على باقي الخلق. وحقيقة، هذا الانفتاح الرباني
الذي وهبه لبني البشر هو من خلق للأجيال اللاحقة أمثال: ابن حزم، ابن الهيثم، الماوردي، الفارابي، مريم الاسطرلابي،
بن فرناس، الخوارزمي، ابن خلدون، ابن النفيس ...الخ


-          كما في يوتوبيا أو جنة الخُلد. فأخطائنا فادحة، أي أخطاء، نستحق لفعلها أن نُهان ويُتطاوَل على خصوصياتنا وتُهتَك أستارنا. وكأننا الكائن الكامل الذي لا يجب أن يخطئ ولم يُخلَق كي يخطئ وهم يملكون حق التصرف فيها وفينا.
وتصحيح خطأنا يكون بتقييم شخصي للقائم عليه في أغلب الأحوال. وبتصحيح خطأنا تكون الحياة قد تخلصَتْ من الشائب الوحيد الذي عكر صفوها. وهذه هي العزلة التي كنتُ أتحدث عنها قبلاً. عزلتهم هم بالطبع!
-       الغِلْظة، الغِلْظة، الغِلْظة ...




* التحلية *



فلنتخيل الحياة، حياتنا، بدون هيئة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر

هل سنتحول إلى كائنات عشوائية؟ أم سنحولها إلى الحياة الكاملة؟ ببساطة، لن يحدث هذا ولا ذاك.

هل أخطائنا وهفواتنا ونزواتنا هي بنات المنكر الواحد؟ أوَليسَت هي متباينة؟ متدرجة متنوعة؟ 
وهل فضائلنا ومعروفنا هي منتجات الهيئة؟

أليس من أنواع جديدة؟ أزمنة جديدة؟ عقول جديدة؟ تتنوع تفاعلاتنا معها؟!!  وحدها؟ ولم تكن لتكون بيننا لولاهم؟ كيف هو شكل الحياة يا تُرى بدون "هيئة" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وما هي بقية أشكال هذا الأمر وهذا النهي؟

يدلنا الله، جميعنا، على خريطة الفلاح في الدنيا، أن نكون أمة تدعو إلى الخير تأمر بالمعروف تنهى عن المنكر، يقول سبحانه: (وَلتكُن مِنكُم أُمّة يَدعُونَ إلى الخَيرِ ويَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَنِ المنكَرِ وأُولئك هُمُ المفلحِونَ) .. هذه الآية سبقتها عدة أيات تتحدث مباشرة إلى "الّذين آمنوا" ويعني هذا أن السرد التالي هو أيضاً للذين آمنوا، ومعنى ذلك أن كل إنسان قادر على توجيه نفسه والآخرين، ولم يُذكر أنهم "هيئة" تجب "طاعتها" ويحاسب عاصيها!!


وهذه الآية في أصلها تخاطب عصبة المؤمنين ممن كانوا حول الرسول عليه السلام، بأنه يخرج من أصلابهم أمة يدعون إلى الخير، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولم يكن القصد من الآية أن تكون فئة من الأمة تختص لنفسها رقابة على الأمة 


وقد سَبَق الله بهذه الآية الجميلة:


(وكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيْم)
هذا يعني أيضاً أن الإنسان في أصل خلقته لن يحتاج إلى عسَس أو عسكر يقومون حياته، فهو إن استعصم بالله
فقد حصن حياته بنفسه


وهذه الآية أيضاً تسير على نفس الدرب:

(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) .. الولاية المجتمعية، أي التكاتف والتعاضد بين الناس، وليس هناك ولاية لأحد على أحد بختم ديني. القرآن كتابي وكتابك .. ولم يحكره الله لمجموعة من الناس تترجمه وتؤوله للبقية، كسلطان يرمي بما تيسر من طعام وملبس للرعاع خارج أطواق الأسوار. وهو مبدء مُسْقَط على كيان هذه الهيئة التي تتصرف بنفس مبدء كهنوت القرآن ورجالاته، تأمر وتنهى في حياة الناس ومصائرهم. حسناً، ليس في الإسلام كهنوت، أي، ليس في الإسلام "هيئة" مشايخ.

على مر هذا التاريخ الطويل للهيئة، بما تقدمه للناس من بيانات حول جدية دعوتها ونجاح مساعيها ونتائج تأثيرها على الناس، كان يجدر على هذا التأثير أن يكون تغييراً حقيقي ظاهر على شرائح عريضة من المجتمع .. الدلائل تقول أن الفساد وأخطاء الناس في ازدياد وهذا مؤشر يأتي من عمق الحياة يقول أنه لا وصول للهيئة ورجالاتها ونشاطاتها لداخل حياة الناس واحتياجاتهم. وإن كان يجدر أحياناً أن ننبه أن أبناء السلطان ومُلاك المال هم الآخرين تحق عليهم عصي الحَسَبة على قدر المساواة. أيضاً ليس هذا معناه أن الفساد تجاوز ما يمكن تغييره. هذا إن اكتفينا بدورها في حمل العصا والأمر والنهي. لأنه بحسب المفهوم القرآني لـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه يمتد إلى صيانة الأنفس وبناء العقول وحسن خلافة الأرض. أضف إلى ذلك، أنه ليس في نصوص القرآن ما يستطيع تقديمه أهل الهيئة دليلاً للناس عن سبب هذه الغِلظة والجمود والمحدودية في التعامل بهذا المبدء معهم.


هذا وأسجل هنا سؤالاً تكرر انتهى إلى حائط الصد واللامبالاة: من هم عسكر الهيئة الآمرين الناهين، من عينهم، وهل مروا بدورات تدريبية خاصة تؤهلهم للتعامل مع الناس والتفاعل مع المواقف؟! 
حسناً، المعلومة التي يعرفها كل الناس في السعودية أن الكثير منهم هم خريجي ثانوية عامة أو مساجين سابقين تم الافراج عنهم بشريطة إتمام حفظ القرآن الكريم كاملاً وبحافز وظيفة "محترمة" في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !!!
ورغم أن هذه المعلومة ليست إجابة على السؤال إلا أني وضعتها هامشية بخط أحمر عريض لتوسيع دائرة البحث والتقصي.

لم يضرب الرسول المعلم عليه السلام أحداً قط، ولم يصرخ في وجه أحد قط، ولم يتدخل في حياة أحد قط، ولم يهتك ستر أحد قط، ولم ينتهك كرامة أحد قط، بل ولم يمارس حق الوصاية على حياة الناس الخاصة وهو الأولى بفعل ذلك. و هو مؤسس الحضارة المدنية بشكلها الذي نعرف والتي ينتهجها كل دول العالَم الأول المتحضر. وجماعة الهيئة يفعلون كل ذلك ومآلهم إلى زوال كنتيجة عكسية حتمية.


يذكرني حالنا مع الهيئة بالمواطن الذي يُضطهد وتضيع حقوقه ويعيش خائفاً من الحكومة لأنه ليس لديه أدنى معرفة أو ثقافة بحقوقه السياسية وحقوق المواطنة. ساعة أن يعرف، تبدء تستقيم حياته وتختفي كوابيس الظلم بانكماش الظالمين أمام معرفته التي خلقت قوته وحريته. فهو في الأصل حر بالسليقة وبالفطرة.

شكل الحياة بالطبع أجمل وأفضل بدون الهيئة بشكلها الحاكمي والعسكري، وأفضل بدون وجودها بيننا كـ "هيئة" مكونة من مجموعة نصَّبَتْ نفسها بنفسها. لم يحبِس الله جل جلاله الإنسان عن هذه الدنيا الكبيرة بمناكبها وألوانها ومعجزاتها، لا ولم يقيض عليه من بني جلدته رقيباً إلهياً يأمره أمراً أو ينهاه نهياً فيها. فمنذ متى استعبدتم الناس وقد فطرهم خالقهم أحراراً!!!

وهذه أيضاً نصيحتي لشباب السلف في مصر، أو أياً يكن اسم الانتماء الذي يحب البعض أن ينتمي إليه. لن تحدثوا إلا أثراً عكسياً الناس في غنى عن المزيد منه خصوصاً في هذه الفترة الانتقالية الحرِجة من عمر مصر. ولن ينفع مع المصريين ما تريدونه بهم، فهم مجتمع متدين بطبعه، قادر على تقويم حياته بالفطرة. ولن يكون حال الناس شاهد يلغي ما أقول لأن الخراب الحالي الواقع على المجتمع المصري كان مُسبَّباَ مفتعلاً رصَّت حيطانه أنظمة فاسدة لعقود، والجيل الجديد سيقدم مصر جديدة تمنتها أجيالاً سبقت. وهو القادر على ذلك بإذن الله.

وكلمة أخيرة للجميع، سيكون عشاءً أخيراً مُتْخَماً بموتى العقول والأنفس إن ظلت العصا، أو السم، هو التوجه الواحد مع كل المختلفين عنكم. وسيتسبب ذلك بابتعاد المزيد من الناس عن دين الله. 
وسيشرب هذا النبيذ من يشربه وسيكون المتشنج منكم أول من يشرب.


قد يقول لي أحدهم، من أنتِ كي تفتين وتدعين الـ "عِلم"! 


أنا لا اُفتي ولا اُجادل في أمر تشريعي ولستُ أخوض في الدين، بل أرسمُ هنا  الصورة التي تصدرونها لنا كمجتمع.


لكن هناك من يملك ما يقوله لكم







No comments: