القرآن الكريم يعتبَر أول وأهم مصدر مرجعي وبحثي للغة العربية وأحوالها، لذلك فهو أهم وأول مرجع لتفسير محتواه ومضمونه، أي أن القرآن الكريم يفسر نفسه وكلمات القرآن الكريم تدل إحداها على معنى شقيقاتها في آيات أخرى. وهذا المنطلق ساهم في فك معاني مُرَمزة وتفسيرات لآيات كريمة كانت تُفْهَم على غير نحوها المطلوب لعقود طويلة.
بداية، أود التنويه هنا على شئ مهم، هذه المدونة، مدونتي، لا ولم تصدر منها بحوثاً في الدين خاصة ولا ما ينبثق عن هذا الاتجاه من فتاوى أو تفصيلات لا من باب المناظرة أو المُحاجّة، فقط، لأنني ذات توجه آخر أخذ من كل وقتي وتركيزي، وهذا لا يلغي بالضرورة أهليتي كمسلمة باحثة وذات خلفية لغوية تدعم ذلك، رغم أني بالضرورة أمر بين آن وآخر على مباحث القرآن الكريم ومناقبه التاريخية وغيرها، لأنه قاعدة وحيدة ينطلق منها كل الناس إلى حياتهم بسلام وبسنة الله التي أرادها لنا جميعاً
(لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرْ فَهَلْ مِن مُدَّكِرِ)
الاسلام لم ينزل للمختصين والله سبحانه يقول "أنا سهلته" والدور والباقي على من سيفكر ويتفكر، وكتاب الله نزل للجميع
-د. مصطفى محمود-
وكما تفضل عالمنا الجليل، فأنا أؤمن بأن الله سبحانه لم يجعل بيننا وبينه وسيطاً وهو الأقرب إلينا من حبل الوريد، وأنه
سبحانه أرسل لنا القرآن الكريم المَنْهَج مبيناً مفصلاً يسيراً ميسراً بلسان عربي، وأمرنا بقرائته وتدبره جملة وتفصيلا،
فهو الوحيد الذي لن نضل بعده أبدا
(لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرْ فَهَلْ مِن مُدَّكِرِ)
الاسلام لم ينزل للمختصين والله سبحانه يقول "أنا سهلته" والدور والباقي على من سيفكر ويتفكر، وكتاب الله نزل للجميع
-د. مصطفى محمود-
وكما تفضل عالمنا الجليل، فأنا أؤمن بأن الله سبحانه لم يجعل بيننا وبينه وسيطاً وهو الأقرب إلينا من حبل الوريد، وأنه
سبحانه أرسل لنا القرآن الكريم المَنْهَج مبيناً مفصلاً يسيراً ميسراً بلسان عربي، وأمرنا بقرائته وتدبره جملة وتفصيلا،
فهو الوحيد الذي لن نضل بعده أبدا
هذا المقال ليس مناظرة أو فتوى، بل شرحاً، توضيحاً، توصلتُ إليه أنا الأمة إلى الله بعد بحث مستفيض
كانت هذه مقدمة سريعة تحدد شكل بداية الموضوع الذي أنا بصدده
** معنى كلمة "ضَرَبَ" في القرآن الكريم **
لمجرد قول هذه الكلمة، فأنت وأنا سنفهم فوراً أنه الإيذاء الجسدي يصدر من شخص أو عدة أشخاص تجاه شخص أو عدة أشخاص، مع اختلاف القصة المحكية وأحوالها. إلا أن الكلمة في القرآن الكريم لم تقصد لا شكلاً ولا مضموناً هذا المعنى، الذي، وللأسف، ثبته أهل التفسير في أذهان العامّة على أنه يحمل هذا المعنى، الهزيل إن جاز التعبير، أمام الدقة اللغوية والبلاغية التي صاغها لنا الله سبحانه في محكم كتابه.
وبالطبع هناك آيات أخرى في القرآن ذُكِرَتْ فيها كلمة "ضَرَبَ" والتي فسرت على معناها الصحيح، لكنها وللغرابة خُولِفَ تفسيرها، نفس الكلمة، في آيات أخرى.
نتج عن هذا التوجه أن أصبحنا نتوارث ثقافة "ضرب النساء" أي "الخبط أو اللبط أو أي نوع من الإيذاء العنيف وإن كان في أخف أشكاله" أنها من أوامر الله في قرآنه، وهذا ليس صحيحاً.
والغريب، أن أهمية المرأة تطلبت ذكر كيفية التعامل معها في آية "الضرب" المعروفة، بيد أن الطفل المأمور بالصلاة، وهو موضوع لا يقل أهمية، لم يذكر حوله ولو آية تأمر بـ "ضربه" كي يعتاد الصلاة، بل كان ذكرها فقط في الحديث
كلمة الضرب في السياق القرآني لم تعني في أي أحوالها التعرض بالأذى والاعتداء الجسدي، ولو في أخف أشكاله أو مهما كان الهدف منه. فبداية من كونه كرمنا بأحسن خِلْقة نملك قلوباً تعقل وعقولاً تفكر ونجدين هدى بهما خطوط الحياة، بالإضافة إلى حساسية النفس البشرية، وفيما يخص التعاملات بين الناس، فإن اللغة الإنسانية العالية تلعب دورها. ومن هنا أقول أنه لن ولن يفرد لنا الله سبحانه قوانيناً تنص على التطاول بأي شكل على أي آخر، وإلا تتناقض هنا مفاهيم الرحمة تجاه الآخرين كانوا بشراً أو حتى حيوانات لا تعقِل.
سأعرض هنا لآية ضرب النساء في سورة النساء الآية 34 فقط لأنها ذكرت في السياق القرآني
قال الله تعالى في الآية الكريمة
وَالَّاتِي تَخَافُون نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبيراً
في الآية هنا سرد يعرض حلاً إلهياً لمشكلة نشوز المرأة، ولن نتعرض هنا لطريق فرعي حول مفهوم النشوز
تسرد الآية خطوات يلجأ إليها الزوج لحل المشكلة
وهو تسلسل يتفهم طبيعة النفس الإنسانية التي يُقَدَّم لها الحل، وهو يبدء بـ الوعظ كحل أول، ثم الهجر في المضاجع، ثم تأتي الخطوة الأخيرة إن لم تأتي الحلول السابقة بفائدة، ألا وهو، الضرب
والنساء الموجه لهن الكلام لسنَ بالضرورة زوجات، قد يكنّ أمهات، أخوات، و/أو بنات
وسيتضح المعنى مع الشرح المُوجز
*
الوعظ هنا واضح المعنى والمضمون ولا أظنه سيحتاج سرداً خاصاً
الهجر في المضاجع، قُصِدَ به ترك الفراش وليس حرمان الزوجة من المعاشرة الجنسية، فوضع الحاجة الجنسية في هذا الشأن فيه كسر النفس والإذلال، والذي يتنافى مع الغرض من فعل الهجر في حد ذاته، إذ كيف تريد أن تحل مشكلة بشكل عقلاني يحترم مشاعر هذه الإنسانة التي أمامك وأنت تدوس على طرف حساس عاطفي جسدي بداخلها!! فيها تناقض وغير منطقية.
وفي حالة كونها أم، أو أخت، أو ابنة، فهو هنا هجر معنوي كعدم الجلوس معها والحديث إليها وهكذا
نأتي إلى عقدة موضوعنا وهو الضرب
كل الآيات القرآنية التي ظهرت فيها هذه الكلمة تعني أحد هذه المعاني وليس غيرها، وكما قلنا فإن المفردات القرآنية تفسر لنا نفسها
يستخدم القرآن الكلمة بعينها لمعنى بعينه وليس هناك تضميناً لكلمة في سياق المعنى القرآني،
المفارقة .. المباعَدة .. الانفصال .. التجاهل
قديماً كان يقول العرب: سأضربك ضرباً مُبرِحاً، أي سأفصل جسدك عن بعضه بلا رحمة، هذا وصيغ المبالغة من الأمور المعهودة عند العربي عندما يتحدث، وهي هنا بنفس المعنى مثلما يقولون في بلاد الشام (لبنان، سوريا، وفلسطين): بدي طعميك قتلة مرتبة، يقصد هنا: الإيذاء دون رحمة فالقتل هنا مجازياً مبالغ فيه
ولنستعرض بشكل سريع التداول الشائع لكلمة "ضَرَبَ" ..
ضربه على وجهه = لطمه، ضربه على قفاه = صفعه، ضرب بقبضة اليد = وكز أو لكز، والضرب بالقدم = ركل.
ونستعرض معناها في المعاجم
ضرب الدهر بين القوم أي فرّق وباعد، وضرب عليه الحصار أي عزله عن محيطه، وضرب عنقه أي فصلها عن جسده، والعرب تعرف أن زيادة "الألف" على بعض الأفعال تؤدي إلى تضاد المعنى نحو: (ترِبَ) إذا افتقر و (أتْرَبَ) إذا استغنى، ومثل ذلك (أضرَبَ) عن المكان أي ابتعد عنه، أو أضربَ في المكان أي أقام ولم يبرح (عكس المباعدة والسياحة)، وضرب به عرض الحائط أي أعرض عنه وأهمله.
وبإسقاط هذه المعاني على خريطة حل المشكلة فإنك ستراها أمامك المعادلة المحلولة الواضحة والمقبولة المتوافقة مع لغة العلاقة الزوجية، أو الأسرية في حالة القريبات، وقبله كمال التعامل مع تقلبات واحوال النفس البشرية
إذاً، إن كان بالوعظ وهو غالباً يأتي بحوار بين الطرفين، وعندما لا ينفع فهناك حيلة "أنا زعلان منك ومش نايم جنبك ع السرير، وحاخد مخدتي واطلع انام في الصالة اوجنب الاولاد"، -مثلاً- أو ما يشابهه في حالات القريبات غير الزوجة، ثم عندما لا تأتي هذه الحيلة اُكُلها مع الرجل فهذا يعني أن هناك حاجة نفسية أو عاطفية أو كليهما للافتراق المؤقت، أن يضربها بعيداً عنه لوهلة من الزمن كي "تهدى ويصلح الحال" ، وهو ما يفعله بعض الأزواج بان تذهب هي مثلاً إلى بيت أهلها لفترة من الزمن لمراجعة نفسها وتهدى وتفكر، أو يكون ضرباً لا رجعة فيه بالفرقة النهائية مثلاً، وما يناسبها في حالة القريبات غير الزوجة
لن تكون هي حياة محبة ورحمة ولَبِنَة بناء في نسيج مجتمع مطلوب منه أن يكون متراحماً على الفضاء الأوسع، وهو سبحانه يطلب من الرجل أن يقوم بإيذاء المرأة، الأقل منه حجماً وطاقة، والأكثر منه حساسية وعاطفة، ولو بأقل أشكال هذا الإيذاء. فالكريم قد خلق كل البشر مُكرَّمين نسائهم ورجالهم
ولننظر إلى مجتمعنا اليوم وهو يتحجج بهذه الآية، والكثيرون ورائهم يتفنون في وضع معايير هذا الضرب، فمنهم من يقول لكزاً، -عجباً، لم يقل الله لكزاً في القرآن-، أو فلتخبطها هكذا بسِواكك ...والخ من هذا الكلام. وأصبح كل رجل يضع معايير ضربه التي تصل إلى القتل أحياناً، ولأنها ليس فيها أي منطق رباني فهي تأذي ولا تنفع
أدعوكم لاسترجاع كل الآيات القرآنية، بالسياق الذي ذكرناه هنا، وتدبر الآيات كل على حدى
نهاية مقالي، أقول، هذا مبحثي الخاص والذي ابتدئتُه حيث انتهى به ذوي اختصاص وانتهيتُ به انتهاء طالب متأدب بعلم، وهذه المساحة وإن لم تكن مساحة مناظرة، فهي أيضاً ليست مساحة للجدل
المراجع
لسان العرب- ابن منظور، الصاحبي في فقه اللغة - ابن زكريا، من كتاب المسكوت عنه في الإسلام - نبيل هلال-
د. محمد شحرور - معز الرماح