في هذه الأيام تزيد حرارة الأخذ والرد في الكثير من الموضوعات المجتمعية في السعودية ، وما تلبث أن تخمد واحدة لتثور أخرى.
وأحد الموضوعات التي اقترب لهبه من الفوهة "قيادة المرأة للسيارة" .. فكما نعلم أن سيدات السعودية ظللن يعانين من منع الدولة لهن قيادة السيارة – وهي الدولة الوحيدة في العالَم – وهذه المعاناة بدأت تظهر على الملأ وإن بشكل متردد ومتواضع منذ عشرة سنوات تقريباً.
قبل ذلك بعقود كان المجتمع السعودي يحارب للحصول على حق المرأة في التعليم ، وكان الخطاب الديني الرسمي وقتها يضع نفس المبررات و المخاطر المسبقة في حال سُمِحَ للفتيات بالتعليم (!!!) ولم تكن الأسباب بأكثر شحاً وسطحية من وريثتها الحالية في قضيتنا هذه
وخلال السنوات القليلة الأخيرة عَلَتْ الأصوات التي تنادي بإعطاء سيدات المجتمع حقهنَّ في قيادة السيارة ، خاصة أنه لا يوجد أي سبب فعلي يجعل قرار المنع صارماً لهذا الحد من لدنّ الجهات الدينية الرسمية هذا أمام صمت شبه تام من جانب الدولة.
ورغم استنكار المؤسسة الدينية بحجة سفور المرأة وخروجها بدون محرم وغيرها من الأسباب ، كانت الأدلة المؤيدة لحجتهم مغالطة لواقع ومضمون هذه الأدلة ، مع اختلاف المحاولات لإيقاف القضية مثل توجيه رسائل كلاسيكية لينة القول كوسيلة للإقناع مثل تشبيه النساء بالملكات اللاتي تجدن من يخدمهن ولسنَ بحاجة للقيادة ، والتي انتهت بـ بيان طويل شمل 118 عالماً دينياً وطالب شريعة ينهي المسألة من طرفه بحرمة الأمر .. والمُلفِت هنا هو رأي ابن مفتي السعودية الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن باز والذي يناقض هذا البيان جملة وتفصيلاً داعماً القضية
بشكلٍ عام ، كانت الردود هجومية ساخرة تدل على مدى غياب المؤسسة الدينية عن واقع معاناة المرأة السعودية بين رب المنزل الغائب أو المشغول والسائق الجاهل أو سئ الخُلُق أو ارتفاع رواتب السائقين وغيرها ، فمناداة المرأة بالملكة هو من باب أدعى لأن تكون "قائدة" وليست عائزة وعاجزة عن شئ بسيط مثل الانتقال من مكان إلى آخر ، هذا غير أن "حرية التنقل" هو حق كفله الإسلام لا يملك أحداً التكرم على الغير بمنحه أو حرمانه ، هذا والطريف هنا ما دلَّلْنَ عليه من أن السيدات من بنات القبائل في القرى الداخلية في السعودية يقدنَ السيارات بل و سيارات الهايلوكس الكبيرة منذ أكثر من ثلاثين سنة وليس هناك مشكلة ، ... فلا الدين ولا التاريخ البعيد أو القريب للمملكة يقدم حجة مدمَغة تمنع إنساناً – ولو امرأة – من قيادة السيارة.
وبطبيعة الحال كان فيس بوك هو أقرب مذياع للسيدات الغاضبات لإيصال أصواتهن وآرائهن التي لم يكن يكترث لها أحداً خارج هذا النطاق ، حيث افتتحنَ صفحتهن نحن على فيس بوك عام 2009م ، لمناقشة كافة الآراء و تجميع الأصوات لصالح هذه القضية.
هذا العام كانت حملات قيادة المرأة على أشُدَّها ، ولا أعلم هل هي بسبب تشجًّع ,وتجرؤ الشباب والشابات بعد موجات البعثات الجامعية إلى الخارج ، أو هي بعد نجاح دور الفيس بوك كأداة ضغط شعبي لتحقيق المطالب أو قد يكون ذلك آتياً مع دعم الدولة ، هذه المرة ، وتغير الخطاب العام من خلال شخصيات مهمة في الدولة ، خصوصاً في هذه الحقبة التي يتغير فيها مناخ كل شئ في المنطقة .
منال الشريف ، الموظفة في شركة آرامكو الخُبر ، تُقْدِم على أن تكون أول سيدة سعودية تقود سيارتها بنفسها في إحدى شوارع الخبر في السعودية ، وهي التي بادرَت قبل ذلك بوضع مكبرات الصوت على هذه القضية المزعجة على حد تعبيرها والكثير مثله في مقابلات تلفزيونية ومقالات وعلى الفيس بوك.
في الأسبوع الماضي قامت منال بتسجيل مبادرتها على اليوتيوب .....
وفي ذات اليوم تقوم السلطات الدينية والشرطة بإيقافها حسب الخبر المنشور في صحيفة سبق
هذه المبادرة وإن ستتسبب في مواجهات من الطرفين إلا أنها مطلوبة ومتوقعة ومبشرة في ذات الوقت ، بل وتصحح لي توقعاتي في حصول ذلك خلال العشر سنوات القادمة. مهما يكن من أمر ، فإنه لا يصح إلا الصحيح .. و لن يكون هناك أسهل من كسر قيود القش حتى لو كانت غليظة .. وكل غد لناظره لقريب.
1 comment:
لابد ان ياخذو الفرصة ولكن عند الخطا المعاقية ولابد من اخبارهم جيد ونعدهم ياخذوا الفرصة ..
Post a Comment