قد يكون أحد أقوى أسباب فوز عمرو قطامش في مسابقة آرابيانز جات تالينت لهذا العام آتٍ من وحي الثورة في كلماته والأجواء المسرحية التي يعتمد عليها دائماً ، لكن هناك عوامل أخرى كانت هي السبب الأقوى في فوزه هذا الموسم
باختصار غير مثقل بالتفاصيل
يملك هذا الشاب أدوات مسرحية متقنة فيما لو حرص دائماً على تطويرها وإحسان إسقاط مُخرجاتها كي يسلمَ من التكلف والتصنع اللذَيْن لم يسلم منها معظم أبناء المسرح المصري وخاصة المسرح الشعري والغنائي..
خفيف الحركة .. يختفي حيث تظهر الأيقونة التي يُخْرِجُ من خلالها رسالته إلى الجمهور
أدائه صادق لذلك فهو مقنع فيما يريد أن يقوله ، مع بعض المزيد من تطوير ذلك بهدف الاحترافية
ورغم أني لا أملك حرفة الشعر إلا أني سأدون رأيي في شعره حيث أجلس بين الجمهور وفي ذلك حقي لقول رأيي .. قصائده جميلة ، مرنة ، سلسة ، تأتي من حياتنا اليومية ، موسيقاها خليط محبب بين العامي والفصيح ، تعزف وترها الحساس حيث تقدم لسان الحال وقضية الساعة لذا فهي تلقى لدينا ، أي الجمهور ، أذن صاغية وقلب متابع
تكمُنُ بلاغة شعره "الحلمنتيشي" في إسقاط رسالته في قالب هزلي ، وهذا ذكاء منه واحترافية ، فأنت تستطيع أن تطبع ما تريد في أذهان الناس إما بإبكائهم جداً أو بإضحاكهم قليلاً
بالتأكيد لن تتفق كل الآراء حول عمرو قطامش عند نفس رأيي ، وهذا طبيعي وصحي ، فهناك من لم يقتنع به لا نصاً ولا أداء ، وهكذا حال كل الشعراء والموهوبين مع كل الناس ، ولا بأس بهذا فقد يأتي الضد بحكمة ما يوماً
بين أجواء الكورال وخلفيات الضوء والموسيقى وبين إلقاء الشعر بأكثر من طريقة بين نبرة غاضبة وأخرى ساخرة ، أستطيع أن أقول أن عمرو قطامش يقدم لنا مولود جديد من مدارس إلقاء الشعر في العالم العربي ، وليس بمستغرب أن نراه في غدٍ قريب يجوب العالَم بمسرحه المتنقل هذا ليكون خير سفير لبلده ولأبناء جلدته من جيران العروبة والدين ، لكن عليه أن يحمل معه دائماً لُقَيْمات القيم الفنية والفكرية
لا يزال عمرو قطامش يحتاج إلى لَبِنات كثيرة لإقامة جدران كيانه الذي بدأه .. يحتاج إلى الاجتهاد وتواضع التلاميذ حتى يصل إلى أهدافه ، فهو قد طرق باباً جديداً خلفه طريق طويل
وفقك الله يا عمرو .. ومبارك الفوز الذي استحققته بين كل المشاركين
مقولته هذه هي أول ما خطر في بالي بعد قراءة خبر اغتياله.. كان جوليانو خميس قد قالها ممتدحاً كامل فريق عمل مسرحية "العذراء والموت" منتهياً بأنه لم يبقَ للمسرحية سوى دوره في إخراجها أو "التخريب" كدعابة، وهي المسرحية التي كانت قيد الإعداد العام الماضي في حيفا.
ولد جوليانو مئير خميس في الناصرة عام 1958م، والده صليبا خميس الفلسطيني القيادي في الحزب الشيوعي الاسرائيلي، ووالدته آرنا مئير يهودية يسارية معروفة بمواقفها المناهضة للاحتلال الاسرائيلي ودفاعها لسنوات عن حقوق الشعب الفلسطيني واهتمامها الكبير بأحوال الأطفال الفلسطينين.
كان جوليانو ممثلاً مسرحياً معروفاً في المسرح العِبري في إسرائيل قبل أن يقرر تركه للأبد، لم يكن يجد فيه إي إثراء فكري ولم يكن له طعماً ولا رائحة من الناحية السياسية والاجتماعية هذا والمجتمع الاسرائيلي لا يريد أن يسمع ولا أن يعرف على حد قوله.
استغل شهرته ونجاحه اللذين وصل إليهما لدعمه في مشواره الجديد في مدينة جِنين ليتولى إدارة "مسرح الحرية" الذي أسسته والدته هناك حيث عاشتْ السنوات الأخيرة من عمرها.
".... مسرح الحرية هو مشروع مشترك بين المقاومة الفلسطينية والتي يمثلها زكريا زبيدي وفنانين من العالم والضفة الغربية، واربط المسرح بالمقاومة، لأن المسرح ليس بديلا عن المقاومة بل جزء منها، مقاومة ثقافية خالية من العنف تحمل مبادئ إنسانية عالمية أممية؛ حرية الفرد مش قبل حرية الشعب وبالعكس، مسرح الحرية ليس مسرحًا وطنيًا لبناء دولة فلسطين؛ والمسرح يواجه المشاكل من الجانبين المخابرات الإسرائيلية ومن المجتمع الفلسطيني وهذه المشاكل تواجهنا لأننا نتحدى المشاكل والعادات والتقاليد بما يخص وضع المرأة والطفل، حرية التعبير ودكتاتورية التقاليد، ومن ناحية المخابرات مفهوم لماذا؛ فنحن نربي جيل مش مريح للاحتلال، جيل مفكر وجريء والذي نأمل أن لا يقع في الحفر الذي يحفرها الاحتلال كتلك التي حفروها قبل 7 سنوات في انتفاضة الأقصى. "
"إن كل ولد وبنت يمسك بيده قلماً أو كاميرا أو يمثل في مسرحية ما هو إلا انتصار على الاحتلال..."
كلمة كهذه كفيلة بأن تكون تخريباً كبيراً ولو قالها يهودي مناضل .. وكفيلة بأن توجه خمس رصاصات لإسكاته .. ولن يبقى لنا الكثير من الظن والتخمين حول هذين المُلَثَّمَيْن اللذين أردياه قتيلاً، من هما ومن ورائهما.
ولا أعلم كم من الشواهد يحتاج هؤلاء كي يعلموا أن قتل الفرد الواحد يبعث الثورة في قلب ألف حي يُرزَق .. وأن الموت هو صحوة لذاكرة الأحياء .. وأن يد الموت تناوِلُ يد الحياة إرث الحقيقة .. يأخذنا الموت وتظل الحقيقة بين الأحياء.