عندما قرأت اسم الفيلم لمخرجه السعودي علي الأمير خُيل إلي أنه خطأ املائي، لأني كنتُ قد شاهدتُ فيلم إيراني اسمه "أطفال من السماء".
الطريف في الأمر أن تشابه الاسماء هذا يحيط الفيلم قبل أن يتداخل الأمر عندي ، فهناك قضية حاصلة بسبب تشابه الأسماء لكن من جوار آخر
فقد اختار المخرج ان يطلق على فيلمه القصير ذي الواحد والعشرين دقيقة نفس اسم رواية الكاتبة السورية "سمر يزبك" ذات الـ 148 صفحة هذا غير حديثاً حول القرصنة والسرقة وحماية حقوق الملكية الفكرية والأدبية هنا وهناك مما أحدث لغطاً ومشكلة قائمة بين المخرج وصاحبة الرواية
حقيقة ليس هذا موضوعي .. بل هو الفيلم
شاهدتُه مرة وثانية وأخرى ..
في هذا الفيلم ..
كادرات جميلة وصور متبادلة بين الملونة والصامتة ( الأبيض والأسود )، وقد كان جلياً أن المخرج صب تركيزه في خلق الصور دون بنائها بناء درامياً جيداً مما جعل الفيلم يعاني من فراغ أو لنقل ثغرات رغم التوزيع الموسيقي والتصوير الجيدَيْن
الشخصيات في الفيلم هلامية ليس فيها بناء ولا تجسيد، فهي تتأرجح أمام أعيننا دون أن نرتبط بها وهذا كفيل باستحضار الملل قبل انتهاء العرض .. فالطفلة البطلة "سلمى نبيل" التي قامت بدور "ديما" لم تعطيني الأداء الصادق الذي يثير انفعال المشاهد، فقد كان أداءها بسيطاً أو لنقل كان الدور أثقل من أن تتقنه، وهذا لا يعيب طفلتنا في شئ، فبالتأكيد هي غير متمرسة كأطفال هوليوود مثلاً، إنما يعيب مخرجنا الذي لم يبذل مجهوداً أفضل لتدريبها وتعليمها فن التقمص واستحضار التجربة من المرآة إلى ذات البطلة أو أن يحضر فتاة أخرى أكثر احترافية مثلاً
المخرج علي الأمير، رغم تركيزه على الطفلة كعموداً للفيلم إلا أنه لم يستطع أن يخلق بين المُشاهد وهذه البطلة الصغيرة اتصال عاطفي يوثق من خلاله مشاعر التعاطف معها ونبذ العنف ضدها أياً كان نوعه ومصدره وهي الرسالة التي من المفترض أن المخرج يريد إيصالها لنا كمشاهدين
كان الفيلم كما رأيتُه استعراضاً سريعاً لعدد من الصور التي التقطت باحترافية وجمالية واضحة لكني لا استطيع ان اسميه فيلماً، فكما نعلم الفيلم القصير يمتص نفس المجهود الذي قد يستهلكه فيلماً طويلاً
وحقيقة لا أعلم لماذا يخطو المخرج بتلك السرعة نحو انتاج افلامه خارج الخريطة المحلية، فالسعودية تحديداً تخلو من أجواء الصناعة السينمائية جملة وتفصيلاً مما قد يكلف أحد أبنائها الموهوبين شحذ أسس الصناعة السينمائية من صُنَّاعِها حتى لو كلفه ذلك وقتاً وجهداً مضاعفين، وهذا يشمل مخرجنا علي، فما ضير أن يستغرق إنتاج فيلمك عدة سنوات من الاتقان كيما تخرج أتحوفة فنية تسجل لنا لا علينا
الإبداع أداة مهمة لكنها ليست الأكثر أهمية لإنتاج مادة إبداعية مكتملة الأركان، فهناك أدوات أهم تسير جنباً إلى جنب مع الإبداع ليؤدي الفنان مهمته بنجاح، والاحترافية أو لنسمِّها الخبرة مطلوبة لإنتاج فيلماً مهما كانت مادته حتى يستطيع أن يحجز مكانته التاريخية في قائمة الأفلام التي دفعت البشرية إلى الأفضل، وهذا أهم دور تقدمه الأفلام، وذلك أفضل من أن يقدم فيلماً بدون بصمة و دون مستوى اجتهاده الذي قدمه في انجاز فيلمه
الملاحظ بين الفنانين السعوديين والسينمائيين خاصة هو اندفاعهم وحماستهم لدفع عجلة السينما السعودية للحركة قدماً وهذه بادرة طيبة لكن الحضارة لا تصنعها النوايا الطيبة فحسب بل يصنعها اكتمال أركانها وتكاتف أفرادها وطول اجتهاد، بمعنى أن الانتاج السينمائي يُبطِن نظريات وتفاصيل في كل شئ أكثر مما يظهره من مواد سينمائية تعج بأحدث برامج المونتاج ومعالجة الصوت والصورة وأجهزة التصوير وما إلى هنالك، وعلى الفنان أينما كان أن يدرك ذلك جيداً، فهوليوود التي نراها اليوم هي حصيلة أكثر من مائة عام من العمل الدؤوب
تحتاج السينما لبناء شخصية مستقلة فيما تقدمه خاصة أن الرسالة التي يتوقع العالم أن نقدمها اليوم تختلف عن عقود مَضَتْ وبات علينا أن نقوم بمهامنا من خلال بناء القواعد وليس فقط نسخ ما نستورده من هوليوود وباقي سينما العالم
وإن اخترت فيلم "طفلة السماء" لأتحدث عنه إنما اخترته كمثال حي أصبه في منتصف موضوعي حول الثقوب التي يعاني منها الكيان الإعلامي العربي بشكل عام والتغيرات التي قد تحصل مع جرعات التغيير وهَبَّات الأمل التي نراها بين الشباب والتي بانت سُعادُها خلال السنوات القليلة الماضية، وإن كنتُ اُكبر عدستي هنا فوق الساحة السينمائية السعودية بشكل خاص
يفرحني أن أرى نهضة ما هنا وهناك في عالمنا العربي لكني أتمنى أن تتقد بسواعد محترفة تقدم كل ما تملكه بوعي وحرفة وهمة عالية، وهذا يعطي قارئي هوية نقدي البناء وليس العكس
المعادلة التي أخلص إليها دائماً هي:
هناك فرق بين انتاج فيلم وبين صناعة فيلم .. بل و كبير جداً
بإمكانك مشاهدة الفيلم من هنا
No comments:
Post a Comment