شاهدتُ الفيلم، فيلم آخر غير الذي شاهدته قبلاً فقبل. ليس للاكتشاف أو الفضول أو حتى بدافع الغضب، لأني لم أكن غاضبة. شاهدتُه كي اُؤكد لنفسي مرة إضافية بأن هكذا أفلام يتم تنفيذها و إنتاجها إنما لاستثارة الجهلاء و الحمقى الذين يزحمون الفضائيات ببرامج الرد و التوعد و فتح المناظرات و الجدل. فليس من عاقِل رشيد يكترث لهذا الهراء، و العجب أنهم – العقلاء الراشدين - داخل قش كثيف، و لو رأيتَ أحدهم دلني عليه رجاء.
خرجتُ من المشاهدة بعدة ملاحظات أضع دائرة حمراء حول أهمها:
كل الفيلم من بدايته حتى نهايته هو تجسيد للصورة التي التصقت في الأذهان عن المسلمين – وليس عن الإسلام – و التي صدَّرها المسلمين – أو هكذا يُقال لهم - للعالَم. فلو أبطأنا وتيرة عرض الفيلم على شاشة كبيرة و وضعنا لقطات مُرَكَّزة متتابعة من كتبنا و تراثنا التاريخي أو حتى برامجنا – الدينية – على شاشة كبيرة أخرى بجانبها سترى أن الأولى ترجمة حية للثانية لا محالة. الذين يقولون بقتل "الكفار" أينما "ثُقِفوا" هُم نفسهم الذين يملؤون البرامج بفتاوى إرضاع الكبير، و حكم ختان البنات، و خريطة لباس الحجاب، و حكم دخول الحمام بالرجل اليسار و غيرها مما لم يُنزل الله به من سُلطان.
***
هناك كائنات من زجاج فارغ ترى ما بداخلهم أو لو أحببتَ تكسرهم بكل بساطة و بكل بساطة أيضاً يمكنك ملؤهم بما تريد و بأي شيء. فلو أردناهم أن يصبحوا كائنات خضراء ملأتهم بأي مادة خضراء مثلاً. تلك الكائنات هي نحن أبناء الألفية من المسلمين، نحن الآن كائنات ممتلئة بالرماد البركاني الأحمر، فهم قد ملؤنا به هذه الأيام و قد ملؤنا بمثله من قبل ليس ببعيد و آخر بعيد، فقط سكبوا علينا سبب غبي لأن نكون محقونين بالغضب، تماماً كحُقَن مباريات كرة القدم و صديقاتها برامج العبث و السفه في قنواتنا الفضائية. نحن الآن، أيضاً و أيضاً، أعْلَنَّا الجهاد و امتطينا أحصنتنا و حملنا سيوفنا إلى أرض المعركة كي نقتل كل من سولت له نفسه أن يتشدق بكلمة أو صورة أو فيلم يسيء إلى رسولنا، رسولنا نحن. مع أني أذكر أنهم سولت لهم نفسهم كثيراً قبل الآن و لم يهابوا شماشين المعارِك أمثالنا، و العجيب أنه ليس هناك رسولاً يخصنا و آخر لا، و الأعجب أن الإساءة إلى عيسى أو موسى لا بُرٌّ لنا فيها و لا طحين!!
فلننظر في بُرهة إلى صف آخر من الملاحظات، نُخَصِّص منها الثورات التي نفخر بأنها غيرتنا و جعلتنا أجرأ و أكثر تفتُّحاً و انفتاحاً على أنفسنا و عقولنا و الدنيا من حولنا، ... و نسأل، يا الله، قد ظننا بأنفسنا حسناً و قلنا أننا قتلنا جهلنا و أصنامنا بأيدينا و انتهينا، فمن هؤلاء الذين لم يزلوا يهدمون لَبِنات بالكاد بنيناها؟؟
ملاحظة أخرى على الفيلم، أو حوله، لم يكن أبداً المُسْتَهْدَف محمد عليه السلام، كل ما في الأمر أن السياسة تستخدم الإعلام لتحريك خيوط أي لعبة كما نعلم. نحن، في العالَم العربي، "ديتنا" معروفة و سهلة حتى أننا لا نرقى لمرتبة "خَصْم".
بهدف تغيير المنطقة، فإنه يجب أن يثور الغوغاء لإشغالهم و تشويشهم و تغييبهم عن الأمور الحقيقية، يثوروا لأي شيء أو على أي شيء. لو رجعنا إلى التاريخ القريب، فإن في كل حقبة كان علينا فيها أن "نتشرذم" كانوا يقومون باستخدام الكروت التي يعلمون أننا نصبح صاروخاً من الانتقام يهِبُّ في لمحة. دَوْسة خفيفة على عيوبنا و نقاط ضعفنا و نتوحد بشكل عجيب في ردة فعل متشابهة كُنا مسلمي الخليج العربي، ليبيا، أفغانستان، لبنان أو غيرها، مع هذا الدّوار تتشابه خريطة عقولنا رغم اختلاف الحدود. نتوحد في فراغ الأسباب و تتقطع بنا سُبل الوحدة و الوفاق في فضاء الأهداف. حقاً، أمورنا عجيبة عقيم نحن أمة الأرجوحة التي لا تستقر!
إليكَ الآن، قضية على الساحة تشغل الرأي العام – رغم إنها مش ناقصة إشغال - و لو كنا جهابذة علينا أن نعرف ما الذي يُحاك في الكواليس.
المشكلة أننا لم نتعلم .. لم نتعلم .. لا ثورة و لا غيرها علمتنا أي شيء .. دخلنا المصيدة راقصين مهللين. نحن قوم البلهاء الجهلاء .. نحن الجاهلية التالية .. نحن أبناء وأد البنات بتزويجهن قبل أن يبلغن "الرشد" تيمناً بالرسول – كما يُشاع - .. و أبناء العيش للمُتع و المحيا للملذات لأن رسولنا قال لنا: حُبِّبَ إلي من دنياكم النساء والطيب – كما حُرِّف-.
يقولون لك سنرد عليهم بِصاعَيْن ثم يقتلون الناس جُزافاً و آخرين يريدون أن يردوا بفيلم. القضية ليسَت فيلماً بفيلم، القضية لم تصل بعد إلى حد يفهمونه لأنهم لا يريدون، و الرغبة و الإرادة هي بداية أي طريق جَلي نهايته بداية حياة كريمة لكل الناس و تلك أمور لا نملكها بعد. أكُلَّما قال أحدهم هناك كلمة تكفلنا بالرد عليه!! لن تخلص المهزلة. القصة مش فرد ذراعات و عنترة. أوْ لو مُصِرِّين على الرد، هناك ردود مُفْحِمة تُبيض الوجوه و القضية ليست صراخ في صراخ فالقدور الفارغة هي ذات الضجيج الأعلى. و المهزلة الأفظع أن سُبُلَ الكيد التي يستخدمها خصومنا ضدنا هي نفسها لم تتطور ما يدل على أننا بدورنا لم نتطور لنُجابَه بأسلحة من طراز أحدث مع الوقت، يعني أننا في نظرهم أسهل من عاهرة تبيع نفسها على قارعة طريق في منتصف ليل!
و أقول لكم: عقلٌ بعقل و فكر بفكر و الجاهل أظلم ..
***
في نهاية مقالي، و في حالة مثل التي نحن فيها ....
1
محمد عليه السلام و كل نبي و رسول من نعلم منهم و من لم نعلم، هُم صفوة خلق الله لا تصلهم إساءة، هذا مع علمنا أن المسيء إنما يقذف إساءته إلى أعلى فترتد عليه وحده فقط.
2
نحن الآن لا نملك شيئاً!
قبل أن نفتح صدورنا لموت رخيص نسميه عبثاً "جِهاد" و نعيث في الأرض قتلاً و إفساداً علينا أن نُسَوِّر على أنفسنا حتى نخلص من إدمان الجهل و الانغلاق و التَسَيُّد على الآخرين و تأجير عقولنا و ضمائرنا للأسياد و بعد أن نَطهر و نُخلَق من جديد علينا أن نهييء أنفسنا لمواكبة الحقبة و أبنائها في كل مجالات الفكر و النهضة و تقدير الإنسان و إحياء الحياة بإعمارها، و علينا أن نبدأ قبلاً بقتل كل رجل دين – كفِكرة – و نطرحه خارج حياتنا و عقولنا و نفصل حلقته الواهية الزائفة من حبلنا الواثق إلى الله .. فلا تصدق أن هناك أحد بينك و بين الله مهما ادَّعى التكليف و العصمة و المصاهرة المقدسة، حتى الرُسُل و الأنبياء لا مكان لهم بيننا و بين الله تعالى، فما بالك من هُم دون ذلك!
3
"شابُّوْ" ..! اُحَيْي "خصمي" بشدة فهو ذكي و داهية يصل دائماً لمبتغاه، لكن هل تحيته هي كل ما علي فعله؟ بل علي، بجانب ذلك، أن أبصق في وجه كل هؤلاء الذين يؤذوننا بمناظرهم و مناقبهم على شاشات التلفزيون و في الصحائف و منابر المساجد يشترون إذعاننا بصكوك الغفران الإلهية و الاسم "شيوخ"، فهُم من لوَّث الدين و هُم من قسَّمه مذاهب و نِحَل و هُم من وسَّخَ التاريخ و التقاليد و ساهم في بيع الأرض و العرض بأبخس الأثمان .. ثم .. أتوجَّه إلى مدرسة خصومي كي أتعلم منهم فن اكتساب الفُرَص و الفوز بالغنائم.